هيئة التحرير:
ملّت حجات المخيمات منا كصحفيين، في كل عام نأتي لنعيدَ ذات القصة، نبذل جهوداً كبيرةً في إزالة عبوس وجوههن ما أن يشاهدننا نحمل الكاميرات ومسجلات الصوت وندقُ أبوابهن، بحثاً عن رواية جديدة، نطلبُ السماح لنسمع أهازيج البلاد وحكايا الأجداد.
أربعة وسبعون عاما مضت، قليلون من ظلوا، وكثيرون من رحلوا بعد أن أدركهم الموت وهم ينتظرون العودة إلى بيوتهم، يحملون المفتاح، ويرددون ذات الوصايا للأولاد والأحفاد، نطرق باب البقية، نتتبع في وجوههم جغرافيا قراهم، ونشم في حكاياهم رائحة الحواكير والبيارات.
بالكاد تذكر مريم الصالح عمرها، فهي جاءت من البلاد على عجل، يراوح عمرها الثالثة والتسعين، لها أولاد وأحفاد كثر، شقيقاتها سبعة، ولها شقيق واحد جاء بعد طول انتظار، كانت تعيش في بيارة في قرية رنتيه المهجرة قضاء يافا، كانوا الحياة حلوة كما السكر.
يبرق سنها الذهبي وسط تجاعيد كثيرة، تحمل في عينيها قصصا كثيرة، ملت من كثر روايتها حد الضجر، يشجعها أولادها وأحفادها على ضرورة البوح الدائم بما بقي من خزان الذكريات، تغضب أحياناً وتبتسم في أحيانٍ أخرى، على يديها ترتسم خارطة لطريق لا نعرفه.
“قومي اطلعي قومي اطلعي شو بدك
واحنا حطينا حقوق ابوك وجدك
قومي اطلعي قومي اطلعي شو مالك
قومي اطلعي قومي اطلعي شو مالك
واحنا حطينا حقوق ابوك وخالك
واحنا حطينا حقوق أبوك وخالك “
لم تنس السنوات الطوال الحاجة مريم حفل زفافها، تذكر تماما ً كيف كانت النسوة تغني لها أهازيج الفرح تقول: زفوني على فرس أصيلة، ومشى الناس يزفونني على جانبيها، من بيت والدي، إلى بيت زوجي” كانت أياما حلوة وهداى بال.
لا زالت تحفظ شكل المزرعة في البيارة وتقول أن حبة البرتقال كانت تعبي الأيد، يلفها العمال بالورق، قبل تعبئتها بصناديق وتصديرها لمكان لا تعرفه، تذكر كيف كانت تحلب الأغنام والأبقار، وكيف كانت تأتي سيارة من المدينة لتشتري الحليب.
تذكر اسم بقراتها الثلاث، ورده وبطه وشكله وتقول: ” حياة أحلى من السكر لا نعرف هم ولا نعرف غم، الحبة كانت تعبي الأيد، والله الجاج بكن يشبعن برتقال، كنت القط واحط قدامهن في الصيرة، كانت حياتنا حلوة جدا، في البيارة مكيفين كنا، الشغيلة يلفو البرتقال بصناديق بعد ما يلفوه بورق”.
تتحسر مريم الصالح على بدلاتها: “أخ لو شفتي بدلاتي، بكن ملانات ورد وسمك” ظاعن” لا تدري أين صار بهن الحال، كما لا تدري أين راحت هداة البال، وكيف لا زلنا نخضع تحت احتلال سرق البلادَ وجعلنا نبكي في كل يوم على الأطلال.
رنتية| قضاء يافا
هي قرية فلسطينية، تقع 16 كيلومترا إلى الشرق من مدينة يافا. في عهد الانتداب البريطاني في فلسطين، وكان يبلغ عدد سكانها حوالي 600 نسمة.
كانت القرية قائمة على رقعة مستوية من السهل الساحلي الأوسط. وكانت طريق فرعية تصلها بالطريق العام المجاورة المفضي الى يافا واللد. وكان خط سكة الحديد, الممتد بين اللد وحيفا يمر على بعد 5, 1 كلم الى الشرق منها. عرفت القرية أيام الرومان باسم رنتيا, وفي زمن لاحق دعاها الصليبيون رنتي.
وأصبح سكان القرية لاجئين بعد 10 يوليو 1948 لهجوم قوي من قبل الاحتلال الاسرائيلي، ولم يبق من القرية سوى ثلاث منازل مهجورة وسط الأعشاب والنباتات البرية الطويلة, الى جانب أنقاض المنازل الأخرى.