loading

غبار النسيان يُنفضُ عن القرى المهجرة

هيئة التحرير:

عادت قرية المزيرعة إلى الحياة من تحت الركام، بعد 74 عاما على تهجير سكانها وترحيلهم، بعد تنفيذ الشابين صبحي صبيحات، وأسعد الرفاعي، من بلدة رمانة في محافظة جنين عملية فدائية في مستوطنة “العاد” التي أقيمت عليها.

ومع اللحظة الأولى لوقوع العملية، بدأ الفلسطينيون بالبحث عن هوية الأرض وجذورها، اسماء عائلاتها وأصحابها الأصليين، المعالم المتبقية فيها والدالة على هويتها، ونشر ذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن عائلة الرمحي الممتدة في البلاد، كانت تعرف أن تلك القرية هي قريتهم التي ينتظرون العودة إليها منذ 74 عاما.

وحسب المؤرخ وليد الخالدي في كتابه “كي لا ننسى” فإن قرية المزيرعة تقع على تل من الصخر الكلسي عند مرتفعات رام الله المشرفة على السهل الساحلي، وفي موازاتها وادياً يمتد عند تخومها الجنوبية، فاصلاً بينها وبين قرية قولة، وهي تقع على الجانب الشرقي من الطريق العام الممتد من الرملة إلى يافا، عبر مجدل يابا، وعلى مسافة كيلومتر إلى الشرق من خط السكة الحديد الممتد بين الرملة وحيفا.

اعتمد سكان القرية على الزراعة كمورد أساسي لهم، وعلى بعض الحرف التقليدية مثل صنع العباءات وسروج الخيل، واشتهرت القرية بزراعة الحبوب البعلية والثمار من الأشجار المروية، وكذلك الحمضيات والموز، واحتلت القرية في “عملية داني” حسب الكاتب المصري محمد عبد المنعم في 12 تموز/يوليو 1948؛ بعد أن شنت العصابات الصهيونية هجوماً على الرملة من محاور ثلاثة.

الحاج أحمد داوود الرمحي

الحاج أحمد داود الرمحي 74 عاما من قرية المزيرعة المهجرة، يصادف عيد ميلاده الـ 74، في الخامس عشر من أيار، فقد ولد الرمحي في القرية قبل تهجيرها بأقل من شهر، ورغم أنه لا يذكر أي من تفاصيل قريته أو النكبة، لكنه عاش تداعياتها من مراحل اللجوء والتهجير والتنقل مع شقيقه الذي يكبره بعشرة أعوام ووالديه وزوجة جده التي كانت تعيش معهم بعد أن أعدم الجنود البريطانيين جده، إلا أنه حفظ عنها حكايات الكبار جيدا.

ويقول الرمحي لـ “بال جراف” قبل عدة سنوات تناقل أهل البلدة أن سلطات الاحتلال أقامت على بلدتنا المزيرعة مستوطنة جديدة أسموها “العاد” ولم يحظَ هذا الخبر باهتمام كما هي أخبار القرى المهجرة التي بقي بعضها مهجورا وبعضها بني عليها مستوطنات، حتى وقعت العملية الأخيرة في مستوطنة “العاد” ، فعاد اسم المزيرعة إلى الذاكرة والتداول.

وأضاف الرمحي أن “الحياة عادت من جديد إلى اسم المزيرعة بعد 74 عاما، وبعد العملية عرف الأطفال الصغار أن مستوطنة “العاد” مقامة على أراضي أجدادهم في المزيرعة”.

لا يزال الحاج الرمحي يذكر تفاصيل رحلة اللجوء التي مر بها مع والديه أو ما خزنته ذاكرة الطفولة، قائلا “خرجنا من القرية باتجاه أقرب قرية لنا وهي رنتيس مشيا على الاقدام، وعاشت العائلة تحت الشجر لمدة عام، حتى بدأت عملية الإحصاء للاجئين عام1949 ، عندها قال كبار السن إن البلاد ضاعت ولن تعود”.

وفي صيف 1949 انتقلت العائلة إلى بلدة عارورة حتى يتمكن رب العائلة من العمل في الحصاد لتأمين لقمة الحياة لعائلته، وبعد انتهاء الصيف وتحديدا في شباط/فبراير توجهت العائلة الى رام الله، بعد سماعها بإخبار عن بناء وكالة الأونروا مخيم للاجئين، وانتقلوا إلى مخيم الجلزون”.

تمكن الحاج الرمحي عام 1972 بعد زواجه في ستة شهور فقط من العودة إلى قرية المزيرعة برفقة والديه، حيث استطاع والده تحديد حدود أرض ومنزل العائلة، خاصة أن القرية كانت مليئة بالشوك والعشب، وقد استدل على مكان البيت من خلال شجرة قديمة تبعد عن منزلنا 10 متر فقط، وفي السنوات اللاحقة كان الحاج الرمحي يمر من أمام قريته أثناء عمله في الداخل المحتل.

يبدو أمل الحاج الرمحي بتحرر البلاد وعودتها في حياته ضعيف، قائلا ” مات الوالد وهو يوصينا بالمفتاح والعودة والبلاد، لا يوجد عندي أمل بالعودة إلى القرية وهي محررة، لكن الأمل موجود بأن يتحقق ذلك في عهد أولادي، نحن على يقين أن بلادنا ستعود إلينا، وإذا لم يتحقق هذا اليقين سيتحقق مع أولادي أو أحفادي”.

وبدأ الفلسطينيون ينشطون في إعادة إطلاق الأسماء الفلسطينية والعربية على الأماكن التي تشهد أحداثا أو عمليات فدائية، فما أن وقعت عملية الشهيد ضياء حمارشة في 29 مارس/آذار الماضي في “بني براك”، حتى أعيد إحياء اسم قرية الخالدية التي أقيمت عليها المدينة، وسبقها كذلك لقاء الرئيس عباس مع وزير الحرب بيني غانتس في منزله في منطقة (روش هعاين – رأس العين)، والذي أحيا اسم قرية مجدل يابا المقام على أراضيها المستوطنة.

تعد حرب الأسماء والرواية جزءا أساسية من حرب احتلال فلسطين، فإسرائيل من أجل إكمال جريمة احتلال فلسطين، شنت المعركة الأهم لمحو وتهويد كل اسم عربي وفلسطيني للمناطق والقرى والبلدات، حتى تمحي من ذاكرة الأجيال المتعاقبة ارتباطهم في هذه الأرض، ولكن العمل المقاوم المستمر استطاع منذ احتلال فلسطين أفشل هذا الأمر وأبقى الذاكرة لشعبية الجمعية حية.

ويقول الباحث المقدسي خالد عودة الله لـ “بال جراف” إن الجغرافية ارتبطت في التاريخ المقاوم لدى الفلسطينيين طيلة السنوات الماضية، وقد تطور لدى الفلسطينيين هذه الحساسية تجاه الأمكنة المرتبطة دائما بالتهجير والمقاومة، مشيرا إلى أن ظاهرة البحث عن الأسماء الفلسطينية والعربية للأماكن موجودة لدى الفلسطينيين لأنهم لم يفقدوا الأمل بالعودة لها رغم ما مُورس عليهم من كل أشكال القهر والتعذيب، ولم يتوقفوا عن مقاومة المشروع الصهيوني.

وأضاف عودة الله أن “كل الأحداث التاريخية المرتبطة بأرض الفلسطينيين سواء التي لها علاقة بالمقاومة أو بالعمليات يتم تذكر فلسطين ما قبل النكبة، لأن ذلك يعبر عن ذاكرة حية تتجه نحو المستقبل باعتبارها أن الأمل بالتحرر قائم وموجود وأن هذا الهدف قابل للتحقيق وسوف يتحقق”.

وأشار عودة الله إلى وجود حساسية عالية لدى الفلسطينيين بشكل عام تجاه الأسماء، وهي حساسية متوارثة وموجودة في الموروث الشعبي منذ بدء الصراع، فعند تداول أي اسم لمنطقة جغرافية معينة وقع بها عمل مقاوم أو حدث ما، يتم التوجه للبحث عن الاسم الأصلي لتلك المنطقة وتصويب المسمى في التداول الإعلامي، ما يدلل على حيوية الوعي الشعبي والحساسية الشعبية الموجودة.

وأكد عودة الله أن المشروع الصهيوني ليس مشروعا استيطانيا وتهويديا وعسكريا فقط، وإنما لمحو الذاكرة والتاريخ والأسماء أيضا، وهذا العنف المتطرف في هذا المشروع، خلق بالمقابل حساسيات عالية لدى الفلسطيني للبحث عن أصل الأشياء قبل احتلال فلسطين.

وأكد عودة الله أن الحالة النضالية هي الضمان الوحيد لكي تبقى الذاكرة حية، لأن المقاومة هي ما تحول الذاكرة إلى ذاكرة حية مقاتلة، وهذه الذاكرة لا تنتهي ولا تُمحى مهما مورس عليها من مؤامرات وتدجين، مضيفا “ما دام هناك فعل مقاوم مستمر ويزداد قوة وعنفوان مع الوقت، باعتقادي أن مسألة الذاكرة حية وموجودة على المستوى النضالي والمستوى السياسي، ما ينعكس على المستوى الثقافي والتاريخي.

ولفت أن العمل المقاوم في فلسطين ارتبط في الكثير من الأحيان بالجغرافية، حتى قبل أن تعلن الجهة المنفذة للعملية ع اسمها، فعلى سبيل المثال العملية التي وقعت في مستوطنة معلوط ترشيحا في بداية السبعينات أصبحت معروفة لدى الناس بعملية ترشيحا، بينما أطلقت الجهة التي تقف خلف العملية اسم عملية هواري بومدين.

وأشار إلى أن بعض العمليات يتم التعمد إبقاءها بالأسماء العبرية حين تكون العملية في موقع عسري أو سياسي مهم، وذلك من أجل التباهي بضرب تلك المواقع، على غرار عملية معسكر جلعاد التي بقيت كذلك لإبراز أهمية المعسكر الذي تم ضربه، وهذا لا يكون إغفالا لتاريخ المنطقة العربي واسمه، وانما لإبراز قوة العلية وفائدتها.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة