loading

الطنطورة … الفيلم والمجزرة

هيئة التحرير:

في ليلة 22 أيار/مايو 1948، عاشت قرية الطنطورة التي تستلقي على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ليلة رعب لم تنته فصولها بعد 74 عاما على النكبة، بدأت مع تعرض القرية لحصار من لواء “الإسكندروني” التابع لجيش الاحتلال المشكل من العصابات الصهيونية، من ثلاث جهات بحرية، لكن المقاومة الشرسة عن القرية دفع جيش الاحتلال للاستعانة بـ طائرتين بريطانيتين لقصف الطنطورة وقرية اجزم المجاورة، تبعه اجتياح كتيبة 33 من اللواء القرية وارتكاب مجزرة مروعة.

ووفق ما جاء في موسوعة إحياء الذاكرة الفلسطينية للمؤرخ الفلسطيني إبراهيم أبو جابر، فقد جرى “دفن شهداء مجزرة الطنطورة في مقبرتين جماعيتين، فضلا عن حوادث اعتداء على النساء وسرقة لكل شيء ثمين يحملنه من مال أو مصاغ ذهبي”، ومنذ ذلك الوقت وسلطات الاحتلال تسعى لطمس ملامح المجزرة وضحاياها.

وخلال السنوات الماضية، كانت هناك محاولات بحثية عديدة لكتابة تفاصيل المجزرة من خلال شهود عيان وشهادات ووثائق، كان آخر فصولها فيلم “الطنطورة” للمخرج الإسرائيلي ألون شفارتس، الذي وثق فيه إفادات جنود من لواء “الإسكندروني” اعترفوا عبرها بارتكاب مجزرة قرية الطنطورة ودفن شهدائها في قبر جماعي، في تأكيد للرواية الفلسطينية.

وكشف الفيلم عن قبر جماعي لفلسطينيين قُتلوا إبّان حرب 1948 على شاطئ مدينة قيسارية، وإلى حدوث عمليات قتل جماعي للفلسطينيين بعد استسلام قرية الطنطورة، من خلال شهادات جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين شاركوا في المجزرة، حيث أكدت الشهادات دفن نحو 200 فلسطيني، بعد إعدامهم في قبر جماعي يقع حاليا تحت موقف للسيارات.

من فيلم “الطنطورة” للمخرج ألون شفارتز

وقال الباحث في طاقم الإنتاج لفيلم “الطنطورة” سامي العلي لـ”بال جراف” إن العمل على إعداد الفيلم استغرق عامين، حاولنا خلالهما الوصول لأكبر عدد من المعلومات والشهادات والوثائق، وتمكنا من الحصول على شهادات وإفادات 140 ساعة، لناجين من المجزرة ولمشاركين في ارتكابها، ووثائق الأرشيف الإسرائيلي تتضمن اعترافات لبعض الضباط خلال المراسلات بينهم بارتكاب المجزرة.

ولفت العلي إلى أن جزءا كبيرا من الوثائق والشهادات المسجلة جرى الحصول عليها من ثيودور كاتس، الذي كان قد أثار ضجة في وقت سابق بعد إعداده بحثا عن المجزرة، دفعت سلطات الاحتلال للضغط عليه ومحاربته للتراجع عنه.

 وكان كاتس قد أعد أطروحة ماجستير تضمنت شهادات حول الفظائع التي ارتكبها لواء الإسكندروني التابع لجيش الاحتلال في الطنطورة، كتبت عنها صحيفة معاريف مقالا، ما دفع قدامى المحاربين في اللواء إلى رفع دعوى ضده في المحاكم لإجباره عن التراجع عن روايته عن المذبحة.

وأضاف العلي “إضافة إلى تسجيلات الشهادات، جرى الحصول على وثائق ورسائل مكتوبة بين الجنود والضباط الإسرائيليين تتحدث عن مصير القبر الجماعي في الطنطورة، ومراسلات بين الباحثين المؤرخين الإسرائيليين أكدوا أن رئيس وزراء الاحتلال بنغوريون استخدم سياسة تطهير ضد الفلسطينيين في أماكن معينة، بتوجيهات تسمح باستخدام كل الطرق لتهجير السكان”.

وعما كشفه الفيلم من معلومات قال العلي ” الفيلم وعلى مدى 90 دقيقة، يتضمن شهادات لناجين من مجزرة الطنطورة، كانوا أطفالا آنذاك أعمارهم لا تتجاوز 12 عاما، كما أظهر الفيلم من خلال تطوير خاصية ثلاثية الأبعاد، واستخدام صور ما قبل المجزرة وما بعدها، وجود نفق بطول 35 متر وارتفاع مترين وعرض 4 متر، ومع جمع الأدلة والشهادات اللازمة قدرنا أن هذا أحد القبور الجماعية، كما أن هناك قبرا جماعيا آخرا حسب الشهادات بالقرب من عائلة دار يحيى (المبنى الوحيد المتبقي من الطنطورة)، إضافة إلى قبور أخرى في مناطق مختلفة.

ولفت العلي ” أن الفيلم يوجه صفعة لإسرائيل ويفند أسطورة الاحتلال أن جيشه أسطوري وأخلاقي، ويطرح ضرورة مساءلة الاحتلال، وهو يعد وثيقة جديدة ومهمة في سلسلة الوثائق التي تدين إسرائيل بارتكابها مجازر وجرائم”.

مخرج الفيلم

ولفت العلي ” أن الفيلم يوجه صفعة لإسرائيل ويفند أسطورة الاحتلال أن جيشه أسطوري وأخلاقي، ويطرح ضرورة مساءلة الاحتلال، وهو يعد وثيقة جديدة ومهمة في سلسلة الوثائق التي تدين إسرائيل بارتكابها مجازر وجرائم”.

نشط العلي منذ أكثر من 6 أعوام في تنظيم فعالية سنوية لإحياء ذكرى شهداء مجزرة الطنطورة، لكن جائحة كورونا أدت إلى التوقف عن الفعالية، مشيرا إلى أنه خلال ذلك التوقف توجه للمشاركة في إعداد الفيلم كونه يعتمد على فكرة أن يكون هناك اعتراف إسرائيلي بالمجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين.

وأضاف ” كانت الرواية الفلسطينية تقابل بتشكيك أمام الرواية الإسرائيلية والماكينة الصهيونية العالمية، والتذرع أنها صادرة من الضحية ولذلك ليست صادقة، لكن أن تكون الرواية بفيلم من قلب إسرائيل، يتحدث عن النكبة ومجزرة الطنطورة الرهيبة، والوسائل التي استخدمت بها والتي ترتقي لجرائم الحرب، يمكن استثمارها إلى جانب الوثائق الأخرى لإدانة إسرائيل ومحاكمتها”.

تعد الطنطورة من آخر المجازر التي كُشف عنها، لذلك تبذل إسرائيل جهودا لإخفاء تفاصيلها، فقد نشرت صحيفة كل العرب عام 1991 تحقيقا عن المجزرة بعد لقاء مع ناجين وأهالي الطنطورة الذين هجروا إلى بلدة الفريديس وبعض الدول المجاورة، وبعد نشر حلقتين من التحقيق، أصدرت الرقابة العسكرية قرارا بمنع الصحيفة من النشر.

وبعد 5 سنوات من نشر الصحيفة، أعد “كاتس” رسالة ماجستير حول مجزرة الطنطورة (ذكرت أعلاه) اثارت ضجة كبيرة، وشهدت تواطئ جامعة حيفا على طالبها وقدمت دعوى ضده وتجندت لصالح الجيش حتى جرى سحب الرسالة، من رفوف الجامعة والتراجع عنها.

ويقول العلي الذي ينحدر من بلدة جسر الزرقاء وعاش جده وأعمامه وعماته في الطنطورة لثلاث سنوات، وعاشوا المجزرة ” روايات أعمامي وجدي عن المجزرة أثارت الفضول لدي لمعرفة المزيد عن المجزرة، لذلك بدأنا في 2015 بالتواصل مع كل أهالي الطنطورة، لتنظيم فعالية سنوية لإحياء ذكرى المجزرة، ونجحنا في ذلك.

ويقول العلي ” حسب المعلومات والوثائق فإن المجزرة في الطنطورة راح ضحيتها ما بين 200 – 250 شهيد وشهيدة، وقد استخدمت أساليب بشعة ونازية في قتلهم، سواء عبر إطلاق النار والإعدام على الرؤوس، أو بتفجير البيوت بالقنابل، وحرق الأسرى وهم على قيد الحياة”.

ودفع الفيلم وما خلقه من رأي عام عالمي أهالي الطنطورة إلى تأسيس لجنة بهدف الكشف عن القبور الجماعية للشهداء، وحمايتها وتحويلها لأماكن مقدسة وإعادة تكريم الشهداء وتخليد ذكراهم، وفضح إسرائيل وإدانتها.

74 عاما مرت على دم الطنطورة المسفوك على شاطئ البحر، هو اليوم يبدو أكثر بلاغة وفعلا من قاتله، 74 عاما رفض فيها ذلك الدم الصمت والاستسلام وأن يدفن بهدوء، يخرج اليوم كما سيخرج لاحقا ليعلي مظلوميته، ويدين القاتل ويعري وحشيته ودمويته.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة