هيئة التحرير
قرر المحامون تعليق العمل أمام جميع المحاكم اليوم الأربعاء، وغدا الخميس بما يشمل النيابات العامة المدنية والعسكرية والإدارية باستثناء السندات العدلية وإخلاء السبيل وتمديد التوقيف، واسترداد أوامر الحبس والطلبات المستعجلة.
وتأتي هذه الخطوة، استكمالا للفعاليات الاحتجاجية التي بدأتها نقابة المحامين أمس الثلاثاء، التي استطاع المحامون في الضفة الغربية، من حشد قواهم، واعلاء صوتهم في الميدان، في مشهد غاب عن الشارع الفلسطيني للنقابات والاتحادات، في اول فعالية احتجاجية يقودها مجلس النقابة الجديد، احتجاجا على القرارات بقانون المعدلة للقوانين الإجرائية وقانون التنفيذ.
واعتصم مئات المحامين وهم يرتدون الزي الخاص بهم وسط مدينة رام الله، وهم يرفعون العلم الفلسطيني، لينطلقوا في مسيرة حاشدة، باتجاه مقر الرئاسة، لتسليمه رسالة تتضمن مطالب النقابة الرافضة للتعديلات.
وجاء الاعتصام ومن بعده المسيرة منسجما مع خطوات احتجاجية أخرى شملت تعليق العمل الشامل امام كافة المحاكم النظامية والعسكرية والإدارية، بما يشمل النيابات المدنية والإدارية والعسكرية ومحاكم التسوية والدوائر الرسمية باستثناء الإجراءات القاطعة للمدد القانونية.
وطالب المحامون في رسالتهم، الرئيس محمود عباس بوقف العمل بالتعديلات التي جرت الى حين مناقشتها من قبل المجلس التنسيقي لقطاع العدالة حتى الأول من أيلول/سبتمبر.
وكان الرئيس عباس قد أصدر في 6 اذار/مارس قرار بقانون رقم (12) لسنة 2022م بشأن تعديل قانون التنفيذ رقم (23) لسنة 2005م، والذي نشر في العدد رقم 26 من جريدة الوقائع الفلسطينية.
ويجمع المحامون ورجال القضاء على ان التعديلات الأخيرة التي جرت تحمل انعكاسات سلبية على واقع القضاء والمتقاضين، ومنظومة الحقوق في فلسطين، كونها مست قضايا مهمة مثل مبدأ علنية المحاكمة، وإلغاء درجة التقاضي في الأحكام الصلحية أمام محكمة النقض، وتحصين “أفراد الأمن” من الملاحقة، إلا بإذن خطي من النائب العام، وتمديد توقيف المتهمين قيد التحقيق دون حضورهم، بداعي وجود قوة قاهرة، ما يحول دون رقابة قاضي التمديد على سلامة إجراءات التحقيق، وسلامة المتهم من التعرض للتعذيب، أو المعاملة القاسية.
وقال داوود درعاوي أمين سر مجلس نقابة المحامين لـ “بال جراف” أن السبب المباشر لاعتصام نقابة المحامين الذي نُفِذ اليوم هو القرارات بقوانين المُعَدِلَة للقوانين التنفيذ وأصول المحاكمات المدنية والتجارية والإجراءات الجزائية، إضافة إلى حالة العبث التي طالت القوانين الصادرة عن المجلس التشريعي المنتخب، وإجراء تعديلات عليها تطال الحق في المحاكمة العادلة والحق في الوصول للعدالة.
واضاف أن ما يشاع في القضاء الأعلى أن هذه الإجراءات هي لتسريع أعمال القضاء، هي قفزة بالهواء وهروب إلى الأمام من مواجهة الاختناق القضائي بتوفير متطلبات الإصلاح الحقيقية كـ” رفع أعداد القضاة، توفير أعداد كافية من الموظفين، ورفع أعداد أعضاء النيابة العامة وغيرها من المتطلبات، لأن طبيعة هذا النقص الحاد تساهم في إطالة أمد التقاضي.
وأكد درعاوي أن ما تم من تعديلات هو التفاف على الأزمات والضغط الذي يواجهه القضاة وأعضاء النيابة، وذلك من خلال عمل إجراءات تخفف العبء عن القضاة وهي على حساب المحاكمة العادلة، مضيفا أنه تم إلغاء مرحلة النقض لتخفيف الأعباء عن محكمة النقض، وبالتالي الأحكام التي تصدر تصل إلى الحبس لمدة ثلاثة سنوات حبس فعلي، وهذه احكام مجردة للحرية، ووفقا للمعايير الدولية عليه أن يلتمس للاستئناف أمام محكمة تستمع له، مضيفاً أن الأحكام الصادرة عن محاكم الجنايات باستثناء حكم الإعدام والمؤبد تنظرها محكمة الاستئناف تدقيقا وهذا خطير جداً على مصلحة المواطن.
وأضاف أنهم أضافوا تعديلات على مسألة نقل الموقوفين من المدن وخاصة الموقوفين تحت التحقيق الذين ينقلون من المحافظات للجنة الأمنية بأريحا، ويكون من الصعوبة نقلهم لتمديد توقيفهم، وهناك خطورة تعرضهم للتعذيب ويمكن تمديد توقيفهم دون حضورهم، وبالتالي لن يكون هناك رقابة على عدم تعرضهم للتعذيب أو المعاملة القاسية، وأن يطلع القاضي بشكل مباشر على مجريات التحقيق
هناك تحصين للموظفين القائمين على إنقاذ القانون وأفراد الضابطة القضائية من الملاحقة الجزائية للمخالفات التي ترتكب منهم أثناء ممارسة عملهم إلا بإذن خاص من النائب العام، وبهذا أصبحوا يملكون حصانة مشابهة للحصانة البرلمانية، مضيفاً أنه أيضاً
ولفت درعاوي الى وجود تعديل على أكثر من 80 مادة من قانون أصول المحاكمة المدنية، وتم الإبقاء على بعض المواد مما يخلق حالة من الفوضى التشريعية، مشيراً إلى أن الأخطر من ذلك أن هذه التعديلات تتطلب عدد كبير من القضاة وذلك لتأجيل جلسات لمدة 15 يوما أو يومين، وهذا ضرب من المستحيل في ظل نقص اعداد القضاة، وهذا سيفاقم كثيرا من الاختناق القضائي
وشدد أن هناك بعض التعديلات الأخرى التي تمس السلم الأهلي من خلال اعطاء الفرصة للمحكوم عليهم لإنكار توقيعهم على الأوراق التجارية وخاصة “الشيك، والكومبيالة”، ويترتب على ذلك أن يذهب المحكوم إلى محكمة الموضوع لكي يثبت توقيعه، وبالتالي هناك رفع للحماية عن الأوراق التجارية، وهذا عكس ما يدعيه مجلس القضاء بأن هذا لتسريع الإجراءات لأن كافة القضايا التنفيذية التي سيتم إنكار التوقيع عليها ستعود إلى المحاكم، وبالتالي ستغرق المحاكم من جديد
وأكد درعاوي أن مجلس النقابة توجه وأعطى فرصة للحوار مع مجلس القضاء ومع أطراف المجلس التنسيقي لقطاع العدالة وتم الاتفاق على مناقشة ملاحظات النقابة وعرضها على المجلس التنسيقي، ولكن كان هناك تجاهل كامل لمطالب النقابة، مشيرا إلى أنهم لا يطالبون بحقوق مباشرة للمحامين لأن هذه القرارات بقانون تطال الحقوق دستورية الأساسية للمواطنين ولذلك فالنقابة تقود معركة للدفاع عن حقوق المواطنين، وهذا من واجب نقابة المحامين الدستوري وفق القانون الناظم لها، أن تتولى المواجهة وتدافع عن مبدأ سيادة القانون
وعن البرنامج التصعيدي أكد درعاوي أنه جرى اليوم اعتصام ومسيرة وصلت لمقر الرئاسة جرى خلالها تسليم رئاسة للديوان الرئاسي للمطالبة بوقف نفاذ القرارات بقوانين لخطورتها على السلم الأهلي ولانتهاكها للمعايير الدولية، مضيفا “هناك خطوات قادمة، وغدا وبعد غد سيقتصر تعليق العمل الشامل أمام المحاكم النظامية والإدارية والمدنية والعسكرية والنيابة العسكرية والمدنية والإدارية وسيتم إعطاء فرصة للرد على المطالب”.
ولفت درعاوي “ان مجلس النقابة سيجتمع بعد نهاية عطلة العيد لتقييم الوضع وان لم يكن هناك استجابة للمطالب فهناك خطوات تصعيدية، وستكون قاسية ومؤلمة إن لم يكن هناك تفاهم من خلال الحوار لوقف هذه القرارات”.
واضاف المتضرر الأساسي من هذه التعديلات هو المواطن نفسه، الذي يسعى للوصول إلى العدالة، فمثلاً في القضايا الجنائية يكلف محامي الدفاع بإحضار شهوده بنفسه، والذين قد يكون منهم رجال أمن أو أعضاء ضابطة قضائية، فيكلف بإحضارهم وان لم يستطع إحضارهم يعتبر عاجز عن تقديمهم، وهذا سيؤدي لضياع حقوق المواطنين وبالتالي المواطن هو الذي سيدفع الثمن
وأكد درعاوي أنه وخاصة بعد قرار رفع الرسوم الذي تم تعليقه مؤقتا، يؤكد أنها مسائل مرتبطة معا، وهناك حالة تواطئ بخصوص هذه التعديلات بين السلطة التنفيذية ومجلس القضاء الأعلى، فالحكومة تعمل على الجباية من المواطنين، ومجلس القضاء يسعى إلى تحجيم وصول المواطنين للقضاء من خلال رفع الرسوم وبالتالي هذا وضع ساحق للمواطن، ولن يكون هناك مفر للمواطن من توجهه لأخذ حقه بيده بعد إعاقة وصوله للقضاء، مما يهدد للسلم الأهلي والنسيج المجتمعي، وبالتالي على المواطن أن يعي خطورة هذه القرارات وما يدور في الظلام ضد حقوقه وحرياته العامة، مشددا على ضرورة تحرك المؤسسات والقطاعات الشعبية التي أُنيط بها الدفاع عن الحقوق والحريات العامة، إضافة إلى دور المنظمات والأحزاب في الدفاع عن المواطن الذي سحق ولم يبقى له أي حيز في دائرة الحرية.
هذه التعديلات غير دستورية وتنتهك المعايير الدولية، وهي لم تعرض على أي جهة ولم تعرض للنقاش المجتمعي، فهي تمت من لجنة مصغرة شكلها مجلس القضاء الأعلى ورفعت مباشرة إلى الرئيس وصدرت بها قرارات بقانون، وهي على درجة عالية من الخطورة، والأصل أنها قوانين ترتبط ارتباط كلي بالقانون الأساسي لأنها تنظم الحقوق والحريات، وعلى وجه الخصوص هي تنظم الحق في التقاضي أمام القاضي الطبيعي.
تشكل القرارات بقوانين التي يتم إصدارها، تحديا امام جمهور المحامين، كونها تصدر في أغلبها دون تنسيق او مناقشة لها معهم باعتبارهم أحد أطراف العدالة، وخاصة ان بعض القرارات بقانون تتعلق بعمل المحامين المباشر.
وكانت القوائم المتنافسة لانتخابات مجلس نقابة المحامين التي جرت في أيار /مايو، قد أجمعت خلال مناظراتها الانتخابية، على رفضها المطلق للقرارات بقوانين الصادرة عن الرئيس عباس، كونها أصبحت تصدر دون وجود حاجة طارئة لها كما حدد ذلك القانون الأساسي، وبالتالي فأن هذه التعديلات التي صدرت بقرار بقانون شكلت تحديا جديا لها.
ودأب الرئيس محمود عباس منذ الانقسام في 2007، وتعطل المجلس التشريعي على اصدار مراسيم رئاسية، يُطلق عليها “قرار بقانون”، تتمتع بقوة القانون، وقد أصدر منذ ذلك الوقت المئات منها، وهي احدى النقاط الجوهرية التي يطالب المحامين بتوقفها.
وقال المحامي والقاضي السابق أحمد الأشقر لـ”بال جراف” أن المطلوب هو التوقف عن إتخاذ وإصدار القرارات بقانون، لا سيما تلك المتعلقة بالشأن القضائي.
وأضاف أن “هدف المسيرة والاعتصام كان حراكا حقوقيا مطلبي وليس حراكا سياسيا، بهدف توجيه رسالة إلى السيد الرئيس كي لا يتم إجراء التعديلات، وألا يتم أي تعديل طارئ وتنطبق عليه أحكام المادة 43 من القانون الأساسي إلا بالتشاور مع الجهات ذات العلاقة واهمها نقابة المحامين باعتبارها الركن الأصيل لأركان العدالة الفلسطينية”.