هيئة التحرير:
تعمل اتحاد عياد (50 عاما)، منذ أكثر من 30 عاما، في مهنة الزراعة في مدينة أريحا، التي تؤكد أنها متمسكة بها رغم التعب والجهد الكبير الذي تحتاجه هذه المهنة.
وإذا ما قدر لك زيارة أريحا، ورؤية سيدة تقود جرار زراعي في الشارع، فهي بالتأكيد “أم أحمد” لا سواها، التي تعتبر أول امرأة فلسطينية تحصل على رخصة قيادة رسمية وقانونية لقيادة جرار زراعي، والتي يعرفها المواطنون في مدينة أريحا بشكل قوي.
واستطاعت “أم أحمد” الحصول على رخصة رسمية لقيادة جرار زراعي في تموز/يوليو، نظرا لحاجتها الملحة إليه في عملها في الزراعة، فهو بالنسبة إليها “يديها ورجليها” ولا يمكنها الاستغناء عنه، كما تقول لـ “بالغراف”.
تبذل أم أحمد جهدا أكبر من طاقتها في عملها الذي يمتد لأكثر من اثني عشر ساعة يوميا، إلى جانب دورها في المنزل وتوفير احتياجاته، قائلة “العمل بالزراعة ليس بالأمر السهل واليسير، فهي تحتاج إلى جهد كبير، ولا يستطيع أي أحد العمل بها، لما بها من تعب ومشقة ووقت، والتصعب هو تنظيم الوقت لتأمين احتياجات البيت والمزرعة”.
رحلة عياد مع الزراعة بدأت منذ طفولتها، حين كانت تساعد مع أشقائها والدهم في العمل قبل توجههم إلى المدرسة، قائلة ” كنا نتوجه إلى المزرعة في الصباح الباكر قبل توجهنا إلى المدرسة لمساعدة أبوي”، نظرا لأن العمل في الزراعة في تلك الفترة كان يعتمد على أفراد العائلة بالدرجة الأولى.
ارتبطت أم أحمد في الزراعة من تلك الفترة، واتخذتها مهنة لها حتى بعد زواجها وهي في سن الثامنة عشر، ليس فقط لأنها أحد موارد دخل العائلة، بل لشعورها أنها تحافظ على الأرض وتحرسها، قائلة “مهنة الزراعة كبرت ونمت معنا وبقينا محتفظين بها، فهي تساعدنا على الاحتفاظ بالأرض الزراعية وتراثنا، وهي مصدر دخلنا وحياتنا”، مضيفة ” بدأت حياتي مع زوجي في العمل بالزراعة (استئجار أرض)، وبعد سنوات انتقل زوجي ليعمل على مركبة نقل عمومي نظرا لاحتياجات العائلة المالية خاصة مع توجه الأولاد إلى المدارس، ومن ثم الجامعات، لكن أنا بقيت أعمل في الزراعة لوحدي، لكن بعد ذلك عاد زوجي ليعمل معي في الزراعة”.
لدى أم أحمد ثلاث بنات وثلاث أولاد، واستطاعت بنتها البكر من الحصول على شهادة الهندسة الجامعية، وشقيقتها الثانية تخرجت من كلية التمريض، وتدير الشقيقة الثالثة مركز للعلاج بالليزر، بينما أبنائها الثلاث يعملون في صيانة الكهرباء والأجهزة الكهربائية.
تنحدر أصول أم أحمد من مدينة اللد، حيث تهجرت عائلتها إبان النكبة عام 1948 إلى منطقة الولجة، ومن ثم انتقلت إلى مدينة أريحا، وهناك بدأ والدها العمل في الزراعة، من خلال استئجار قطعة أرض زراعية لزراعتها، ولا تزال أم أحمد تعمل وفق تلك الطريقة حتى الآن، كونها لا تملك الأرض التي تزرعها، على مدار العام بمحاصيل زراعية مختلفة، مثل: الخيار، والشمام، والملوخية، والبطيخ، سواء من خلال الزراعة المكشوفة (البعلية) أو الزراعة في البيوت البلاستيكية.
بداية شهر آب/أغسطس، بدأت أم أحمد بتحضير نحو 25 دونم لزراعة الخيار والزهرة، بعد أن أنهت زراعة الملوخية قبل أيام، واستطاعت تعبئة المحصول في أكياس بلاستيكية بمساعدة عاملات من النساء، تحت إشرافها ومتابعتها ” العمل بالزراعة متعب، أنا أعمل فوق طاقتي على أساس أن أحافظ على الأرض، والمزارع مجاهد، وهو الجندي الأول”.
يبدأ يوم أم أحمد في الساعة الرابعة صباحا، حيث تستيقظ من النوم للصلاة، وللقيام ببعض الأعمال المنزلية، ومن ثم تخرج على جرارها الزراعي لإحضار العاملات معها في الأرض لجني المحصول، حيث يختلف عدد العاملات باختلاف نوع المحصول الزراعي.
حصلت أم أحمد على مساعدة من إحدى الجمعيات عبارة عن “كرفان” مكيف تستخدمه النساء اللواتي يعملن معها في تعبئة المحاصيل الزراعية، مثل: الملوخية أو “الحويرنة” وبيعه للزبائن والتجار، كما لديها مصنع لتعبئة اللبن وبيعه، قائلة ” لا يوجد وقت محدد للعمل، يبدأ في الرابعة صباحا لكن ليس له ساعة نهاية بالنسبة الي”.
تعتمد أم أحمد على تسويق محاصيلها على عدة طرق، فالكثير من التجار يأتون إليها ليطلبوا المحصول، وبعضهم يقوم بالتوصية عليه عبر الهاتف، إلى جانب الزبائن المباشرين.
19 عاما تقود الجرار الزراعي
تقود أم أحمد الجرار الزراعي منذ أكثر من 19 عاما، وقد شجعها ودربها على ذلك أبناؤها، بينما حصلت قبل 15 عاما على رخصة قيادة خاصة، لاعتقادها أن ذلك قد يكفي لقيادة الجرار الزراعي.
وحول الأسباب التي دفعتها للحصول على رخصة القيادة لجرار زراعي، قالت أم أحمد إن “الشرطة الفلسطينية بدأت بالتدقيق على قيادتي للجرار وعلى الرخصة لذلك، ولذلك قررت الحصول عليها، وقد جرى تكريمي من الوزير”، لافتة لا يمكنني العمل دون الجرار فهو “ايدي ورجلي” وكل عملي يعتمد عليه، ومن الصباح أتوجه للمزرعة عليه، وانتقل عليه وأحضر العاملات للمزرعة عليه، ومن خلاله تنقل الخضراوات إلى سوق مدينة أريحا، كما تعتمد عليه في حراثة الأرض.
استطاعت أم أحمد كسر نظرة المجتمع لها كونها امرأة تعمل في مجال صعب وتقود جرار زراعي وتتنقل به، قائلة “في البداية كان هناك استغراب من عملي وقيادتي للجرار خاصة من الزوار للمدينة، وأي شخص كان يزور أريحا ويراني في الشارع كان ينظر لي نظرة غريبة ويستغرب، بينما أهالي المدينة يعرفونني ويلقون على التحية دائما ويشيدون بي “.
وتؤمن أم أحمد أن المرأة اليوم باتت اليوم مثل الرجل، وتستطيع أن تقوم بالأعمال التي كانت حكرا عليه، وأن تعتمد على نفسها في ذلك.
وتعتقد أم أحمد أن العادات والتقاليد في نظرة المجتمع للمرأة وعملها تغيرت.
وكرم وزير الزراعة رياض عطاري ومحافظ أريحا والأغوار جهاد أبو العسل، المزارعة اتحاد عياد كمزارعة ريادية حيث تم تسليمها رخصة قيادة تراكتور زراعي لأول سيدة فلسطينية تعمل بهذا المجال، وذلك خلال حفل في محافظة أريحا والأغوار.
وأثنى وزير الزراعة والمحافظ على دور المرأة الفلسطينية، واقتحامها كل مناح وأوجه الحياة العملية، وأنها كانت على الدوام شريكا أساسيا وفاعلا في مراحل التنمية والنضال، وشددا على أن أم أحمد سيدة مكافحة وبادرت في اقتحام هذا المجال، وهي أيضا تعمل في مجال الزراعة.