loading
"كان له اسم يشبه الحكاية".. هكذا ختم الأسير المقدسي ابن جبل المكبر، سائد سلامة روايته "العاصي"

العاصي: رواية عصت السجان

هيئة التحرير

“كان له اسم يشبه الحكاية”.. هكذا ختم الأسير المقدسي ابن جبل المكبر، سائد سلامة روايته “العاصي” التي استطاعت أن توصل رسالة المقاوم العاصي الذي ربط حياته بالحرية، ساردًا في روايته قيام شاب فلسطيني من مدينة نابلس يحمل الهوية الزرقاء بتنفيذ عمل مقاوم، وينتج عنها قتل مستوطن بالقرب من مستوطنة “أرئيل” المقامة على أراضي محافظة سلفيت.

على ضوء شمعة وعلى مر ثلاث سنوات، يكتبون حكاياتهم التي تشبه أسماءهم وبطولاتهم، يبحرون في أدب المقاومة، لعل كتاباتهم تسبقهم للحرية وتستنشق هواء الوطن قبلهم، هكذا كان الأسير سائد سلامة (46 عاماً) المقدسي الحاصل على شهادة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة القدس، وهو المناضل الذي تجرع حب الوطن وتفتحت عيناه على القدس التي ضحى بريعان شبابه من أجلها.

اعتقل سائد في انتفاضة الأقصى في شهر مارس\ آذار عام 2001، بتهمة القيام بسلسلة التفجيرات عن بعد والسيارات المفخخة في قلب مدينة القدس، يقضي سلامة حكماً بالسجن الفعلي لمدة 24 عاماً في زنازين الاحتلال، حيث أمضى منها 21 عاماً ونصف العام حتى الآن، وتعلم سائد في السجن العلوم الإنسانية وعلم النفس التربوي، وهو يسعى إلى بناء أسيرٍ واعٍ ومثقف.

الأدب المقاوم واقع نحياه!..

يندرج مضمون رواية “العاصي” وفق سهاد سلامة، شقيقة سائد في حديثها لـ”بالغراف”، ضمن إطار الأدب المقاوم الذي يستعرض كذلك الدوافع والرغبة التي جعلت ذلك الشاب المقاوم أن يقوم بهذا العمل، وذلك بعدما كان يذهب لعمله في الداخل المحتل لا يأبه ولا يهتم حول الموضوع ولا يوجد لديه الأرضية التي تولد مثل هكذا فعل، حيث يستعرض الذل والهوان الذي يتعرض له الفلسطينيون على الحواجز وعلى العمل في أراضيهم المحتلة في الداخل وعربدة المستوطنين، والتي ولدت لديه الدافع من أجل حمل هموم وطنه الكبرى والابتعاد عن مصالحه الشخصية.

كما ويستعرض الكاتب المشاعر التي رافقت المقاوم قبل اتخاذه القرار وأثرها على قلبه، فيستعرض حبه وشوقه لأهله وتأمله في كل الشوارع، ذكرياته وطفولته وأصدقائه وكيف سيودعهم قبل أن يذهب لهذا العمل الذي سينتهي إما بالشهادة أو بالاعتقال.

وتبين شقيقة الأسير، أن الرواية استعرضت أكثر من جانب يمثل حياة الأسير سائد وما يتمناه، وتقول: “يستعرض الكاتب شموخ المقاوم ونبل أخلاقه، حيث يرفض أن يقوم بسرقة أي شيء من أجل الأكل والشرب، كما يرفض الصدقات التي وصلته ظناً منه أنها على سبيل الشفقة والتي كان يرفضها بكل قوة، كما يبين في روايته أيضاً عدم وجود حاضنة شعبية لمثل هذا العمل مما يدفع المقاوم إلى النوم في المقابر وغيرها من الأماكن، حتى يستطيع أن يكسب قسطًا من الراحة”.

الفكرة الأهم هي كيف دفع كل ذلك المقاوم إلى التفكير بتسليم نفسه إلى الاحتلال وإعلان الاستسلام ليهرب من نظرة المجتمع وليخفف عن أهله العبء الذي ألقي على كاهلهم، وكيف تغلب على هذه الفكرة عندما شعر بوجود حاضنة شعبية قامت باحتضانه، فهذه رواية شرحت سيرورة حياة المقاوم وما تبعها من تغيرات قيمية في مجتمعنا وواقعنا الحالي بكل تفاصيه وحيثياته .

العاصي عصت قوانين السجن..

عن رواية “العاصي” التي لمعت وشاركت في العديد من المعارض، تبين سهاد أن الرواية كتبت على مدار أكثر من ثلاث سنوات، ما بين كتابة داخل الأسر، وبين ما صاحبها من تعقيدات وإشكاليات أثناء الكتابة، من حيث التنقل بين السجون وصعوبة إخراج المادة للنور، وبين جمعها وطباعتها وتدقيقها وتنقيحها وعرضها على دور نشر بمستوى أدبي عالي.

سميت الرواية “العاصي”، ليثبت أنه الفلسطيني العصي على التدجين والتطبع، والقوي في سيره نحو هدفه، كما نهر العاصي المعاكس للتيار .

صدرت هذه الرواية عن  دار “الفارابي” في لبنان، وعرضها على أكبر الكتاب والناقدين لتكون النتيجة أنها رواية قيمة بمضمونها وصياغة لغتها وجمالية سردها وقراءتها العميقة الواقعية للتغيرات القيمية الاجتماعية النضالية في مجتمعنا .

عرضت هذه الرواية في معرض عمان الدولي للكتاب لهذا العام، وتم توزيعها في لبنان والأردن، كما تم توقيع وإطلاق الطبعة الثانية منها في معرض فلسطين الدولي للكتاب في 23 سبتمبر\ أيلول 2022.

خواطر من مرارة السجن..

لم تكن رواية “العاصي” التي نشرها الأسير سلامة هي الأولى في مجال إبداعاته، بل وكان له مجموعة قصصية “عطر الإرادة” باكورة أعماله التي كسرت قيد السجان، وللأسير كتابات عديدة في مجال الشعر الوطني والعاطفي والقصص القصيرة، نشرت في الصحف والمجلات المحلية والعربية .

شقيقة الأسير سهاد تؤكد أن خواطر شقيقها وقصصه القصيرة وروايته في أدب السجون مميزة وعميقة لم ولن تحجبها قيود السجن، التي لم تستطع بدورها أن تصادر حبّ الوطن والأم والأصدقاء والذكريات من قلب كاتبها، فجاءت كلماته هذه معبأة بمعاني الصدق والألم والحرقة والعذاب ومرارة السجون، لتقول لمن يقرؤها: “لابد للقيد أن ينكسر، ولا بد للفجر أن يطلع ليعانق ربوع الوطن المنتظر”.

شارك سلامة في كتاب “الكتابة على ضوء شمعة”، الذي تحدث عن طقوس الكتابة لدى الأسرى، وآخر إصداراته كانت رواية “العاصي”.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة