loading

في تقوع: دراسة .. خوف وقنابل

خوفًا استشهد الطفل ريان ياسر سليمان (7 أعوام) ابن بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، حينما رأى اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمنزله ومحاولة اعتقال أشقائه، لتصبح جملة “مات من الخوف”، الأكثر تداولًا فلسطينيًا، واقعًا، وليسلط استشهاد ريان “خوفًا” الضوء على ما يجري في مدارس تقوع من استهداف المستوطنين وجيش الاحتلال لها، ويحيل الأجواء كلها تحت الخوف والرصاص وقنابل الصوت والغاز السام المسيل للدموع.

ريان.. القلب المحبوب

كان أشقاؤه يبدلون ثيابهم، حينما لمح ريان جنود الاحتلال يطاردون الأطفال، وحينما حاول الفرار بعيدًا عن الجنود رآهم في الفناء الخلفي للمنزل، فسقط مغشياً عليه! متوقفاً قلبه! ليرتقي بقلب متوقف من الخوف، وكانت الصدمة حينما ذهب والده إلى الباب الآخر لمنزله، فرأى طفله ريان على الأرض بلا حراك ميتًا.

مشهد استشهاد ريان يصفه والده بـ”المصيبة، وغير المتوقع، ويقول لـ”بالغراف”: “لقد كان ريان محبوباً في مدرسسته بين زملائه ومعلميه، وقد كان ذكيًا، لقد قتلوه!”.

منى عبد الله مديرة مدرسة الخنساء الأساسية للذكور التي يدرس فيها ريان، تقول لـ”بالغراف”: “إن ريان كان طفلاً مميزًا مليئًا بالنشاط، ومتفوقًا يكرم بين الطلبة المتميزين بنشاطاتهم، ولم يكن طفلاً مشاغبًا، وشكل موته صدمة، وهذا مصاباً جللًا، حيث إنه مات خوفًا في حادثة سيذكرها التاريخ”.

مستهدفون بقلب مدارسهم

كان لاستشهاد ريان الأثر الكبير على نفسية زملائه، فتملكهم الحزن والصدمة والغضب، فن ينسوا أماكن جلوس ريان وأحاديثهم معه والمواقف التي جمعتهم به، وتحاول المدرسة وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم الاستعانة بالمرشدين التربويين للتخفيف من وطأة هذه الصدمة على نفوس الطلبة، تؤكد عبد الله.

بعد أيام من استشهاد ريان، حاول المرشدون التربويون القيام بجلسات تفريغ للطلبة في الساحات لتخفيف حدث استشهاد ريان على نفوسهم، ولكن قوات الاحتلال لم تتركهم واستهدفت المدرسة، ما اضطرهم إلى إبقاء الطلبة في الصفوف وإغلاق الأبواب وحتى النوافذ عليهم، لحين تأمين عودتهم إلى بيوتهم.

تقول منى عبد الله: “إن جنود الاحتلال يتواجدون بشكل يومي في الساحات الخارجية للمدرسة وعلى أبوابها، وتحويل المدرسة نقطة لإلقاء قنابل الغاز السام المسيل للدموع والصوت على المدارس الأخرى، ما يجعل الخطر مضاعفًا ويسبب للطلبة الخوف والهلع”.

من جانبه، يقول ماجد الشاعر مدير مدرسة تقوع الثانوية المجاورة في حديث لـ”بالغراف”: “إن المدرسة تقع بمحاذاة الشارع الرئيسي في البلدة الذي يربط وسط الضفة الغربية بجنوبها ويسلكه المستوطنون وجيش الاحتلال، ويتمركز جنود الاحتلال بمحيط المدارس والشارع بشكل دائم”.

وتتعرض مدرسة تقوع الثانوية لاعتداء متواصل ومتكرر واقتحامها والتهديد بإغلاقها والاعتداء على الهيئة التدريسية، بل اعتراض الطلبة وملاحقتهم في رحلة الذهاب والإياب إلى المدرسة، ما أدى لوقوع عديد الشهداء خلال السنوات الماضية، كان آخرهم الطفل ريان، وكذلك اعتقال عديد الطلاب.

مدارس غير آمنة

يؤكد الشاعر أن من أساسيات التعليم توفر مدارس تحظى بالأمن، وتضمن حقوق الطفل وحريته بالتعليم والحماية، ولكن في ظل استهدافها من الاحتلال، فإن الطلبة يجدون صعوبة بتلقي المعلومات، وإصابتهم بالهلع، عدا أن كثير منهم يتغيبون عن الدوام.

في المقابل، يؤكد الشاعر صمود مدارس تقوع، ومحافظتهم عليها وعلى حياة الطلبة، واستمرار التعليم، لأن المدارس  والأرض للفلسطينيين، موجهًا رسالته للعالم بأن يضمن حق الطلبة والأطفال في التعليم بأجواء صحية والوصول الآمن للمدارس .

وتتعرض مدرسة الجرمق التي تقع على الشارع الرئيسي، بشكل يومي للاعتداء من جيش الاحتلال والمستوطنين، ما يسبب الرعب للطلبة، وتأثر نفسياتهم وتحصيلهم الدراسي، ويهدف الاحتلال بكل ممارساته لإغلاق هذه المدارس، لكن الهيئة التدريسية داعمة للطلبة وتساعدهم على تخطي هذه الازمات، تؤكد مديرة المدرسة رحاب الشاعر في حديث لـ”بالغراف”.

وتعمل إدارة المدرسة جاهدة مع المؤسسات المختصة على التكيف والإرشاد النفسي، في محاولة مواصلة العملية التعليمية وتخطي هذه الآثار، التي سيبقى بعضها بنفوس الطلبة، فيما تتمنى الشاعر أن تحظى مدرستها والمدارس المجاورة التي تتعرض للانتهاكات بعناية واهتمام نفسي ومادي، وتأمين الطلاب، وتفريغ معلمين لهذه المدارس، وتأمين الشارع للطلبة وتوفير الأمن له.

لبلدة تقوع سبع مدارس، منها مدرستنا ثانويتان والبقية للمراحل المدرسية المتبقية، وتقع ثلاث مدارس منها على الشارع الرئيس، وتكون هدفًا لاعتداءات جنود الاحتلال والمستوطنين بشكل متكرر، وهي: “مدرسة ذكور تقوع الثانوية” ومدرسة الخنساء الأساسية وهي مبنية منذ بداية ستينات القرن الماضي، ومدرسة الجرمق الأساسية للأناث.

ويؤكد رئيس بلدية تقوع موسى الشاعر في حديث لـ”بالغراف”، أن المدارس الثلاث التي تقع على الشارع الرئيسي الذي يمر منه الجميع ويربط بيت لحم بالخليل بمساحة كيلو متر واحد فقط، ويمر منه المستوطنون، به أربعة نقاط عسكرية لتأمين مرور المستوطنين على مدار الساعة.

ووفق الشاعر، فإن هذه المشكلة منذ سنين طويلة، ويتعرض الطلبة ويشكل دوري أثناء ذهابهم وإيابهم للدوام المدرسي إلى اعتداء من قبل الجنود، وتفتيش حقائبهم، واقتحام المدارس، وإطلاق لقنابل الغاز، حيث شهدت البلدة استشهاد سبعة طلاب  قبل حادثة استشهاد ريان إما بإطلاق للنار أو بحوادث الدهس على هذا الشارع.

تقوع بمرمى الاستهداف

 بلدة تقوع التي تمتد أراضيها حتى البحر الميت بما مجموعه تسعة آلاف دونم، ويقطنها 14 ألف نسمة، تقع أجزاء كبيرة منها بالمنطقة المصنفة “ج” وفق اتفاقية “أوسلو”، وحوالي 30% منها في منطقة “ب”، بحسب ما يوضحه رئيس بلدية تقوع موسى الشاعر.

ولا يقتصر اعتداء قوات الاحتلال والمستوطنون على الطلبة والهيئة التدريسية بتلك المدارس، بل تتعرض منازل المواطنين الذين يقطنون على طرفي ذلك الشارع وكل من يمر به، للاعتداء من جنود الاحتلال والمستوطنين، الذين كانوا يقتحمون المدارس ويعتدون على من بها.

ويؤكد الشاعر أن الاحتلال لا يسمح لأهالي حتى بوضع خط للمشاة، أو حتى وضع إشارة مرور في هذا الشارع، ولا يسمح لهم بتغيير أي شيء به، مهما كان صغيراً!

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة