في المال ولا في الرجال: نابلس في وجه الحصار

هيئة التحرير

لم يكن الحصار الحالي الذي تشهده محافظة نابلس وخاصة مدينتها الأول، بل يعود بنا إلى الوراء لتاريخ من صمود أهالي المدينة أمام عدة حصارات وفرض لمنع التجوال لأيام عديدة، منذ الاحتلال الإسرائيلي وخاصة في الانتفاضتين الأولى والثانية، في ظل معاناة يفرضها واقع الحصار.

ومنذ الثاني عشر من الشهر الجاري وحتى الآن، تفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارًا على مدينة نابلس وإغلاق الحواجز المحيطة بها، أو فرض إجراءات مشددة عليها، بعد يوم واحد على تنفيذ مجموعة “عرين الأسود” عملية إطلاق نار قتل فيها جندي إسرائيلي قرب مستوطنة “شافي شمرون” المقامة على أراضي شمال غرب نابلس، وذلك الحصار يسبب المعاناة لأهالي المحافظة جميعها والبالغ عددهم نحو 420 ألف نسمة.

الحواجز والمعاناة اليومية

قبل أيام منع جنود الاحتلال امرأة حاملًا الوصول عبر الحاجز العسكري المقام على مدخل بلدة بيت فوريك لمدينة نابلس لوضع مولودها بإحدى مستشفيات المدينة، فعادت إلى منزلها، ووضعت مولودها بإشراف أحد الأطباء بالمنزل، ولا تزال تعاني نزيفًا، الأمر الذي يشكل خطرًا على حياتها، وفق ما أكده لـ”بالغراف”، الناطق الإعلامي للجنة المؤسسات والفعاليات الوطنية في محافظة نابلس، غسان حمدان.

وهذه الحالة تعكس واقع المعاناة التي تسببها الحواجز التي يفرضها الاحتلال على المدينة وبعض بلداتها، حيث بدأ الحصار بإغلاق قوات الاحتلال مدخل قرية دير شرف شمال غرب نابلس بالسواتر الترابية، وإغلاق حواجز “حوارة، وعورتا، وبيت فوريك، وصرة، والمربعة”، ويتخلل الإغلاق إجراءات مشددة أو تخفيفها، وربما إغلاق أي حاجز بشكل كامل.

هذا الواقع يضطر بسببه الأهالي أن يسلكوا طرقًا بديلة، تسبب لهم معاناة وخسائر زمنية ومالية، وربما يضطرون للانتظار ساعات طويلة خاصة في الخروج من المدينة، حيث يؤكد الشاب عبد الغني نظمي والذي يعمل في مدينة رام الله، في حديث لـ”بالغراف”، أنه أحيانًا يضطر كما بقية الأهالي لاستغراق ثلاث ساعات للوصول إلى رام الله، في وقت كانت الطريق تستغرق ساعة واحدة فقط! عدا أن الأجرة قد تصل إلى 30 شيقلًا وفي الوضع الطبيعي الأجرة 17 شيقلاً.

التعليم والصحة بخطر

حصار نابلس الحالي أثر بكل مناحي الحياة، سواء في المدينة أو الريف أو المخيمات، ما تسبب بخسائر اقتصادية والتأثير على الحياة الاجتماعية للناس، وبخاصة تعطيل العملية التعليمية للمدارس في بعض المناطق كون المعلمين يسكنون خارج مناطق تلك المدارس، والأهم تعطيل ثلاثون ألف طالب وطالبة في جامعة النجاح، يوضح منسق القوى الوطنية والإسلامية في محافظة نابلس، نصر أبو جيش في حديث لـ”بالغراف”.

ووفق أبو جيش، فقد تأثر القطاع الصحي كذلك، حتى الحالات الصحية التي تعاني أمراضًا مزمنة لا يسمح لها بالمرور إلى مدينة نابلس مركز الخدمات الصحية، وإن دخلوا فإنهم يدخلون بعد معاناة كبيرة.

ويؤكد الناطق الإعلامي للجنة المؤسسات والفعاليات الوطنية في محافظة نابلس، غسان حمدان، أن حصار نابلس شل العديد من المؤسسات التعليمية خاصة المعاهد والجامعات، كما تأثرت التجارة والصحة والمدارس، ولم يتمكن المعلمون الوصول إلى مدارسهم وطلبة الكليات والجامعات إلى دوامهم، فاضطرت المؤسسات التعليمية إلى تحويل التعليم إلكترونيًا، وهو ليس حلاً على المستوى البعيد.

حمدان دعا إلى ضرورة فتح الجامعات والمعاهد وجاهيًا، لتحدي الحصار، والضغط لفك الحصار، وعدم البحث عن طرق بديلة بل سلوك الطرق الاعتيادية المقام عليها الحواحز، حتى لا يتم إخلاؤها للمستوطنين، يعربدون فيها.

وليس التعليم فقط من تأثر بالحصار الحالي، بل إن القطاع الصحي بخدماته وطواقمه والأدوية المقدمة قد تأثرت، حيث يوضح حمدان، أن عيادات الرعاية الصحية في الريف تأثرت، كون طواقمها من المدينة، وهنالك معاناة بوصول الطواقم لعملهم.

معاناة الاقتصاد النابلسي

تتراكم الأزمة الاقتصادية في نابلس، مع كل يوم يطول من أيام حصار نابلس، حيث يوضح الناطق الإعلامي باسم غرفة تجارة وصناعة نابلس ياسين دويكات لـ”ابالغراف”، أن نابلس خسرت منذ بداية الحصار وحتى الآن ملايين الشواقل، “نحن ندرك أن الاحتلال يريد من هذا الحصار ضرب أهم عنصر إنتاجي في نابلس وهم فئة الشباب”.

قطاع الخدمات السياحية في نابلس خاصة الفنادق والمطاعم تأثر بشكل أساسي، وكذلك حركة التسوق الداخلية، لعدم زيارتها من أهالي الداخل المحتل والضفة الغربية والقدس، يوضح دويكات، الذي يحذر من تأثر قطاعات أخرى في حال استمر الحصار.

ولمحاولة تخفيف آثار الحصار، فإن دويكات يدعو أهالي الضفة الغربية والقدس والداخل للتوجه لنابلس ودخولها عبر الحواجز العسكرية المقامة على مداخل نابلس لكسر الحصار عنها، والتسوق منها، كما حدث قبل فترة بكسر حصار الاحتلال الاقتصادي عن جنين.

رئيس بلدية نابلس سامي حجاوي يؤكد في حديثه لـ”بالغراف” أن الحركة التجارية في نابلس شبه متوقفة، لعدم تمكن زوارها دخولها، وهو أمر أضعف القوة الشرائية، وكبد التجار خسائر، وازداد حجم الشيكات الراجعة.

ورغم طمأنة حجاوي الأهالي بأن المخزون الغذائي لا زال متوفرًا، وإدخال المواد الغذائية لا زال مستمرًا، لكنه يخشى حال استمر الحصار أن تتدهور الأوضاع، وتتأثر العديد من القطاعات، وربما يتأثر المخزون الغذائي والأوضاع الاقتصادية.

وأثر الحصار كذلك، على عمال نابلس، حيث يؤكد الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين شاهر سعد في تصريح صحافي، أن الحصار يتسبب بالمآسي للطبقة الفلسطينية العاملة في نابلس، إذ إن ما يقارب من (200) عامل من محافظة نابلس منعوا قبل أيام، التوجه الى أماكن عملهم.

تاريخ من الصمود بوجه الحصار

حصار نابلس الحالي، يقودنا إلى صمود نابلس وتحديدًا مدينتها وبلدتها القديمة وبلدات المحافظة ومخيماتها وخاصة مخيم بلاطة، في وجه حصارات ومنع التجوال منذ 35 بدءًا من الانتفاضة الأولى والعدوان العسكري عام 2002، حيث كان لافتًا حجم تكاتف الأهالي، يؤكد المؤرخ التاريخي زهير الدبعي، في حديثه لـ”بالغراف”.

واعتاد أهالي البلدة القديمة من نابلس على تخزين المواد الغذائية الأساسية كالجبنة واللبنة وزيت الزيتون، والبندورة المجففة، ورب البندورة، وحين شعورهم بخطر الحصار أو منع التجول، فإنهم يخزنون دقيق القمح، كي يتغلبوا على الحصار، خاصة إن تم انقطاع التيار الكهربائي، الذي يتسبب به كثيرًا قصف الاحتلال في المدينة.

ووفق الدبعي، فإن هنالك عوامل تساهم في صمود الأهالي بوجه الحصار، أهمها: الوعي، والصبر، والتضامن، إضافة لتخزين المواد التموينية لكون متوفرة حال عدم استطاعتهم الخروج.

في أحواش (جمع حوش، وتعني مجموعة منازل متقاربة) من أحياء البلدة القديمة في مدينة نابلس، وخلال العدوان العسكري الإسرائيلي عام 2002، كان الأهالي يتجمعون أمام منازلهم، ويتقاسم الجميع مستلزمات وإعداد الطعام، والتنظيف وغيرها، وأحيانًا يستعيرون من بعضهم البعض تلك المستلزمات، في نظام تعاون لم يعهده الكثيرون، من أجل التغلب على آثار الحصار.

وبحسب الدبعي، فإن التكافل بين أهالي نابلس، ظهر بأشكال أخرى، حيث كان الميسورين يساندون المعوزين، وبعض العائلات كان الميسورين منها يتكفلون باحتياجات أسر فيها، أو عبر الجمعيات الخيرية والمؤسسات ولجان الزكاة.

ويؤكد الدبعي أن فرض الحصار غالبًا ليس من أجل استهداف المقاومين، بل هناك أسباب أخرى وأهمها فرض الإنهاك على مدينة نابلس، وهذا نمط من أنماط العقوبات الجماعية التي لجأ إليها الاحتلال الإنجليزي قبل العام 1948، ثم لجات إليها إسرائيل بعد احتلال العام 1967.

نابلس عصية على الانكسار، وهي تواجه الحصارات المتتالية منذ الانتداب البريطاني حتى زماننا، بل إن الأهالي ابتكروا العديد من الوسائل التي تواجه الحصار، وهم متعاونون فيما بينهم في كافة المجالات، والأهم أن المواطنين يمتلكون مخزونًا نضاليًا عاليًا، يؤكد نصر أبو جيش.

ويؤكد غسان حمدان أن نابلس وخلال الاجتيتاح الإسرائيلي عام 2002، سجلت القوى الاقتصادية فيها موقفًا تاريخيًا مشرفًا، بتوفير المواد التموينية لمحتاجينها، وكان التجار يوفرون طرودًا غذائية يتم توزيعها عبر لجان شعبين ومتطوعين ويتم إيصالها للعائلات المحاصرة، إما بسيارات الإسعاف أو مشيًا على الأقدام.

في المال ولا في الرجال

تحدٍ ووحدة لكسر الحصار

يتواصل الحصار الحالي على نابلس، لكن في المقابل تتصاعد الدعوات لكسر ذلك الحصار عنها، حيث يؤكد أبو جيش إطلاق حملة لكر الحصار، ووجهنا نداءً لأهالي الداخل ومحافظات الضفة الغربية والقدس بضرورة تسيير حافلات زيارة نابلس وكسر الحصار عنها.

ووفق أبو جيش، فقد تمت مطالبة الحكومة الفلسطينية بعقد جلسة طائرة في محافظة نابلس، وكذلك تمت مناشدة الهيئات الدولية بضرورة التدخل السريع لوضع حد للكارثة الإنسانية في محافظة نابلس.

ويرافق حصار نابلس مع جملة من الإشاعات هدفها النيل من الأهالي وبث الرعب وإحباطهم، ويدعو أبو جيش الأهالي لعدم التعاطي مع تلك الإشاعات التي تحاول بث الرعب، لأن الشعب الفلسطيني متماسك، ويجب أن يكون الشعب واعٍ لتلك الإشاعات.

ومن الضروري، وفق غسان حمدان، أن لا يستخدم الأهالي الطرق البديلة، بل بأن يستخدموا الطرق الرئيسية، والقيام بمسيرات سلمية على الحواجز لتشكيل عامل ضغط من أجل رفع الحصار، والاحتلال يعتقد أنه سيركع نابلس وجعلهم يحقدون على المقاومين، بالحصار، لكن نابلس صمدت أمام كل الحصارات السابقة، والناس يكسرون الحصار عبر الصمود والتكاتف والوحدة.

ويؤكد حمدان أن مؤسسات حقوق الإنسان وهيئة الأمم المتحدة الذين زاروا نابلس قبل أيام، يتوجب عليهم مسؤولية الدفاع عن المواطنين وحقهم في الحياة والحرية، وفك الحصار عن نابلس.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة
الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعة