هيئة التحرير
تسمرت الصحفية فرح قيم في مكانها، ولم يعد بمقدورها الوقوف على قدميها، حينما لمحت عبر شاشة هاتفها اسم “حمدي”؛ الشهيد الثالث الذي ارتقى في العدوان الإسرائيلي على نابلس فجر الثلاثاء، ليتبين أنه شقيقها!
رسالة إخبارية.. حمدي شهيد!
على وقع دوي صوت الرصاصات التي كانت تصدح في نابلس، كانت فرح تنقل الأحداث وتتواصل مع مجموعة صحفيين عبر تطبيق “واتس أب” عن آخر المستجدات، حتى تلقت خبر قصف سيارة بداخلها شابين، حينها طلبت من الصحفيين تزويدها بأية معلومة عما يجري، لأن شقيقها حمدي كان داخل السيارة، حتى أجابها صحفي عن وجود شهيد.
فرح أمسكت هاتفها تطبع بيدين راجفتين “مين”؟ لكنها لم تكن تتوقع يوماً أنها ستعيش أصعب تجربة بعملها الصحفي، أن تتلقى خبر استشهاد شقيقها بالإجابة “اسم الشهيد حمدي”، وبقلب مثقل بالحزن وعيون تملؤها الدموع نقلت فرح عبر صفحتها في “فيسبوك” بجملة مقتضبة “روح قلب امه استشهد يا ناس”.
ويقول الصحفي حافظ أبو صبرة: “في واحدة من المجموعات الإخبارية عبر تطبيق واتساب نعتمد عليها في الحصول على معلوماتنا ونتبادل كل واحد منا المعلومات والأخبار التي لدى كل واحد منا، ورد خبر بانفجار مركبة باستهداف للاحتلال في منطقة (راس العين) فجأة إحدى الزميلات تسأل عن أي زميل متواجد في مستشفى رفيديا، تكرر السؤال، بإلحاح كررت، حتى أنني شعرت بحجم خوفها من تكرار سؤالها، تعيد السؤال ثم تكتب: (أخوي كان بالسيارة الي تفجرت، مشان الله طمأنونا مش عارفين نوصل المستشفى)، أجابها أحد الزملاء بوجود جثمان لشهيد، سألته عن أسمه: (اسمه حمدي!)، فكان الخبر ارتقاء شقيقها”.
أما الصحفية بيان الجعبة، فإنها تقول: “في كل الأحداث الحاصلة لا زلت أقف عند رسالة فرح التي وصلتنا الساعة 1:55 فجرًا، وقالت فيها: (أخوي كان بالسيارة التي تفخخت حد يطمنا عنو بس)، وبعدها بـ4 دقائق أرسلت (منشان الله .. اسمو حمدي قيم .. منشان الله الي بالمستشفى يرد)، ربط الله على قلب فرح قيم وعائلتها وكل عائلة زفت قمراً منها إلى الفردوس”.
صدمة النبأ
بشكل هستيري صاحت فرح عبر تسجيل صوتي “أخوي استشهد، أخوي استشهد”، تؤكد زميلتها الصحفية ميس شافع في حديث لـ”بالغراف، روايتها عن اللحظات الأولى التي تلقت فيها فرح نبأ استشهاد حمدي.
وتقول شافع: “لقد جلست عشر دقائق استوعب ماذا تقول فرح عبر التسجيل، وحاولت فهم ماذا تقصد؟ فلم أستوعب في البداية! وبعد دقائق بدأ تناقل خبر انفجار مركبة في حي (راس العين) في نابلس واستشهاد من بداخلها”.
وما لم يكن يعلمه الصحفيون حسب شافع، أن شقيق فرح الآخر كان مصاباً، فهو مرً من جانب المركبة، ومن هول الانفجار طار.
بدموع وبصوت يرجف تقول شافع: “لقد طار شقيق فرح الآخر، على بعد عشرة أمتار، ومن هول الصدمة حينما رأى شقيقه يتفحم قام بخلع ملابسه، ومحاولة أن يطفئ شقيقه لعله يخفف عنه، وبعدها كان يركض في الشارع ويصيح ويقول: (استشهدوا) وكانت فرح ووالدتها على النافذة، وتقول: أمها مين؟ فقال: نيالك يما صرتي أم شهيد، وهنا علت صرخاتهم وبكاؤهم”.
لا تريد أن تصدق
فرح لم توقف تغطيتها حتى باستشهاد شقيقها، فكان الصحفيون يبعثون عبر المجموعات أن هناك أحد استشهد وتسأل من هو وما اسمه، هي كانت تعلم، ولكنها لا تريد أن تصدق وتستوعب، وكانت رافضة في البداية، واستمرت بالإرسال إلى أن تأكدت أنه شقيقها، وهنا توقفت تغطيتها، ورغم محاولة الوصول لفرح فلم يستطيع أحد الوصول لها بعد تلقيها الخبر، فنزلوا إلى مكان الحدث وذهبوا للمستشفى لرؤية الجثمان، ولكن لم يسمحوا لهم لأن الجثمان كان متفحمًا.
تقول شافع: “لحظة وداع حمدي كانت الأكثر صعوبة من تلقي الخبر، لقد تواجدنا عند فرح منذ الصباح الباكر، وكانت فرح بحالة هستيرية، كانت تمسك بيدي وتقول ميس ساعديني لأودعه منيح، وصوريني وأنا بودع فيه، كانت تهذي بكلمات وتعيدها، ولكن لا شيء مفهوم، حاولت الاستيعاب، لكنها كانت تكرر كلامًا وجملًا غير مفهومة”.
وتؤكد شافع، “فرح اسم على مسمى أينما حلت كانت تحل الابتسامة والفرحة، آخر شيء كنت أتوقعه أنني أواسيها، كانت ترافقني بتغطية الجنازات، ورفيقتي في منازل الشهداء، وقبل أيام كانت تواسي والدة الشهيد تامر الكيلاني بشتى الطرق التي باستطاعتها، ولكنها لم تتمالك أعصابها للحظة وبكت، وبالأمس لا أستطيع وصف حالتها، فلا يوجد أي كلام يقال”.
ميلاده يوم وفاته
لم يحتفل حمدي قيم بعمره الجديد، فشهادة ميلاده وشهادة وفاته تحملان نفس التاريخ باختلاف السنوات، فالشهيد حمدي قيم (30 عاماً) ولد في الـ 25 من أكتوبر\ تشرين أول عام 1993، واستشهد بنفس يوم ميلاده 25 أكتوبر\ تشرين أول عام 2022.
الشهيد قيم متزوج ولديه طفلين، كان يعمل سباكاً، فلم يحتجه منزلاً إلا وكان في الصفوف الأولى لمساعدتهم، وحتى لو لم يكن مقابل مال، فقد عرف حمدي بخدمته للناس بعينيه وقلبه، يعامل الناس وكأنهم عائلته، اختضن الكثيرين، كان تقياً ويفكر بإرضاء الله، كان ملتزماً بدينه وصلاته ويخدم الصغير والكبير.