loading

ثورة في المدرجات الفلسطينية

خليل جاد الله

علّقت جماهير شباب الخليل “طبلاً” في سقف ملعب الحسين بن علي بمدينة الخليل، في شهر أكتوبر من العام 2015، وحدث ذلك بعد فترة بسيطة على استشهاد مشجّع الفريق باسل سدر، فوق درجات باب العامود في المسجد الأقصى المبارك.

ذاك الطبل -الذي عُلّق- كان طبل باسل! وبعد هذا الحدث بحوالي سبعة سنوات، عادت جماهير ذات الفريق لتخلّد حضور شهيدها من جديد، فرفعت صورته كجزءٍ من رسالةٍ وطنيّة-رياضيّة، فيها محاكاة للعلاقة بين أبناء مدينة الشهيد باسل (الخليل)، ومدينة الشهيد بهاء عليان (القدس) أثناء مواجهة فريقي شباب الخليل، وجبل المكبر المقدسيّ، في قمة لقاءات الأسبوع الثامن من دوري المحترفين الفلسطيني لكرة القدم. ولأن الرياضة باتت جزءاً من قطاعات كثيرة، فإن المدرّج الفلسطيني اختار أن يتقاطـع فيها كذلك، وكان من الطبيعيّ أن يكون هذا التقاطع تقاطعاً مع القضايا، والهموم الوطنيّة التي يتنفسّها كل فردٍ على أرض فلسطين. أما الاختلاف الذي حمله هذا الموسم مقارنة بمواسم أخرى، فقد تمثّل في تطوّر عدد الرسائل، ونوعيّتها، وبشكل متوازٍ مع تطوّر الهبّات المختلفة في المُدن الفلسطينية؛ ليكون موسم 2021/2022 هو موسم “انتفاضة المدرّج”.

شدّوا بعضكـم

يقول علي رشيد شقيرات – رئيس رابطة مشجّعي فريق جبل المكبر: “نادي جبل المكبر المقدسي هو مؤسسة وطنية، ورياضية، وبسبب الأوضاع السياسية الصعبة التي تعيشها البلاد، فإننا كشباب آثرنا أن نعبّر عن آلام شعبنا من خلال المدرّج، وأن لا نقف موقف المتفرّج أمام تضحيات الشهداء”.
وعن رسالة شدّوا بعضكم التي رفعها جمهور الفريق في مباراته الأخيرة أمام شباب الخليل يصف شقيرات الأمر: “جزء من عملنا هو أن نُولي قضايا الوطن إهتماماً بالغاً، واليوم نحن بأمس الحاجة إلى الوحدة، ونبذ التفرقة، ومن رسالة الحاجة أم العبد أخذنا المعنى، وترجمناه بوضع أسماء المدن الفلسطينية مجتمعة في مدرج واحد”، مدرّج يتضامن مع المُدن كلها.

وكان مدرّج شباب الظاهريّة قد رفع قبل مدّة بسيطة رسالة تضامن فيها مع مدينة جنين قائلاً: “ووطنٌ خلق للشهداء، أكان يهاب موتاً”.
وهي رسالة من بين عديد الرسائل التي ميّزت مدرّج غزلان الجنوب هذا الموسم، إلى جانب كونه المدرّج الأكبر من حيث عدد الحضور فيه. ويرى جهاد الظهراوي – قائد اولتراس غزلاني (جمهور شباب الظاهرية) بأن استخدام صوت الجماهير، بات آداةً عالميّة للتعبير عن أفكار الشعوب وقضاياها، وفي هذا الإطار يُلمّح إلى الرسالة التي شكر فيها جمهور الظاهرية نظيره جمهور نادي سيلتك الأسكتلندي، والذي تضامن ذات مرّة مع قضية فلسطين.
ويضيف الظهراوي: “نحن نجمع أفكارنا من الحال الذي يعيشه مجتمعنا، ونحاول بكل بساطة أن نعبّر عن هذا الحال، وما في رسائلنا التي أظهرنا فيها تضامناً مع مُدن فلسطينية مختلفة، كجنين، ونابلس، إلا تأكيد على موقف الكل الفلسطيني -أي الموقف الداعم للمقاومة- إذ سبق وأن كتبنا كذلك بأن لا ختام يليق بالأحرار إلا مسك الشهادة”.

بلد الباسل والبهاء
أما جميل أبو عيشة، مؤسس مجموعة شبابي (المجموعة التي تعبّر عن جمهور شباب الخليل) فيرى بأن رسائل مدرّجه تعبّر عن جرح، وفكر كل فلسطيني، وأن هدفها الأكبر كذلك إيصال رسالة كل فلسطيني من خلال المنبر الذي يمكن للرياضيين أن يستخدموه، ألا وهو المدرج!
ويضيف جميل أبو عيشة الذي كان شاهداً على دقّ طبل الشهيد باسل سدر في المدرّج، ثم على رفع صورته في مباراة الفريق الأخيرة إلى جوار صورة الشهيد بهاء عليان: “لقد ارتأينا ان تكون رسالتنا لقلعة الخليل ولأبناء المكبر رسالة وحدوية، إذ أن المباراة بين الفريقين جاءت في ذات الشهر الذي أستشهد فيه شهيدا البلدين (شهر أكتوبر)، وبذلك أخترنا عبارة من أرض الباسل تحيّة، إلى أرض البهاء الأبية، كعبارة تقف إلى جانب صورة الشهيدين في مباراة كرة القدم التي جمعت بيننا”.

النابلسي، والياسمينة، والعرين .. أبرز أهل المدرج!
وشمالاً حمل جمهور فريق مركز بلاطة لواء الرسائل الوطنيّة أيضاً، فكانت رسالته من مباراته الأخيرة أمام أهلي الخليل، رسالةً موجّهة لمجموعة عرين الأسود في مدينة نابلس، وهي المدينة التي ينتمي لها فريق المخيّم، وقيل في هذه الرسالة: “شدي حيلك يا بلد، عرينك يحميـه أسد”.
ويقول كثيرٌ من القاطنين في ضاحية الرام أنهم سِمعوا هتافاً يُعظّم من إسم الشهيد “إبراهيم النابلسي” في الكثير من مباريات هلال القدس هذا الموسـم، وأنهم سمعوا الجماهير تهتف كذلك، وفي أكثر من مناسبة: “ضلّك قاوم أوعى تلين”، فتحوّل غناء المدرّج الأزرق إلى مظاهرةً وطنيّة حاشدة في كل مرّة يلعب فيها الفريق. ولو تمكّن أحدهم بأن يصعد في كل مرّة إلى أعلى نقطة في المدرجّات الفلسطينية فإنه دون شكّ سيتمكن عاجلاً أم آجلاً من أن يتابع مناظرة وطنيّة جميلة في الكثير من مباريات الموسم، إذ أن كثيراً من روابط الفرق الجماهيرية تختار طريقة تشجيع تعتمد على ذكر عبارةً في المدرج الأول، ليقوم بإكمال معناها جمهور المدرج الثاني، في شكلٍ تشجيعي قلّ نظيره، ومن ذلك ما حملته مباراة جبل المكبر وشباب الخليل، الأخيرة عندما هتفت الجماهير سويّة: “بالرّوح بالدمّ، نفديك يا شهيد”.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة