حلا خلايلة
منذ عامين وستة أشهر ترسم شقيقة الشهيد أحمد عريقات سيناريوهات في خيالها ورأسها، لتحظى بعناق أخير ولحظة وداع تحمل شوق كبير من أجل تحرير جثمانه المحتجز لدى ثلاجات الاحتلال، “خذوه إلى قبره، لو كان عصفوراً صغيراً قد مات لأكرمناه بالدفن، ماذا لو كان جسد إنسان”.
عرس تحول لمأتم..
في الثالث والعشرين من شهر حزيران لعام ٢٠٢٠، ارتقى الشهيد أحمد عريقات (٢٦ عاماً) برصاص الاحتلال على حاجز “الكونتينر” شرقي القدس المحتلة، حينما كان في طريقه لتزيين مركبته ليزف بها شقيقته التي كانت تتجهز من أجل زفافها وكانت تنتظره والعائلة في بلدة أبو ديس.
وتروي فرح عريقات شقيقة الشهيد في حديث ل”بالغراف” عن اللحظات الأولى للاستشهاد وتقول:” قبل عامين كنت قد انتهيت من تسريح شعري لزفاف شقيقتي وفي اللحظة ذاتها قد سمعت عن نبأ استشهاد شاب على حاجز “الكونتينر”، وترحمت عليه ولم يخطر على بالي للحظة واحدة أن يكون هذا الشاب أخي، عدت إلى المنزل الساعة الخامسة والنصف واذ بمجموعة كبيرة من الشبان والنساء والأطفال على باب منزلنا، نفيت كل الخيارات في عقلي على أن يكون أحد ما من أهلي أصابه مكروه قلت لنفسي لربما هناك شجار بين شباب في الحي”.
مرت الدقيقة منذ رؤية عريقات للتجمع ووصولها إليهم كأنها دهر، بدأت تسأل من حولها ماذا يجري؟ هل أصاب العرسان أي مكروه لم يخبرها أحد، سمعت والدتها وهي تقول “أحمد أصيب” حاولت تمالك نفسها ومساعدة والدتها على استدراك الموقف ومحاولة إبعاد التجمهر من حول المنزل لكي لا تفزع شقيقتها العروس عند مجيئها من المشهد، بدأت تسمع الناس يقولون أحمد استشهد.
وتكمل عريقات:” بدأ قلبي وعقلي ينفيان الخبر بكل ما اوتيت من قوة طوال اليوم، توجهت إلى شقيقتي لكي أساندها وكان قد وصلها الخبر، وبما أننا فلسطينيين ونعيش كل يوم هذه اللحظات نصبح لا شعورياً أقوياء ونقول الحمدلله رب العالمين الحمدلله إنه شهيد، بدأت أردد هذه الكلمات وداخلي ينفي الرواية كاملة، أحمد أخي وصديقي وحبيبي ونور عيني لا أدري صدقاً كيف مر العامين، لقد مدنا الله بصبر على عظمة مصابنا”.
أحمد الجدع كما تسميه شقيقته، الأطيب في الحياة شاب محبوب، يساعد الجميع، بطل، وصاحب نخوة، قدّم الكثير لوطنه، كان يجهز للاحتفال بعرسه وأن يكون صغيراً في ظل جائحة الكورونا، ولكن صار له عرس كبير لم يكن يتوقعه.
سيناريو الأمل..
“في اله شجرة بجانب قبور الشهداء في مقبرة أبو ديس، ونرويها دوماً وتنتظره وسيكون قبره بجانبها”... بلهفة الذكريات وأمل الوداع تنتظر شقيقة عريقات ووالدتها والعائلة استلام جثمان أحمد المحتجز منذ عامين والذي رفضت المحكمة الالتماس الذي قدم من أجل الإفراج عنه.
وتتمنى عريقات أن يراها أحمد ويسمعها لتخبره أنهم ينتظرونه ليصدقوا أنه استشهد، فحينما فتحت شقيقته الخرائط على الموقع الإلكتروني ورأت أن مسافة صغيرة تفصلها عن اللقاء بشقيقها حسابياً وجغرافياً ولكنها بعيدة المنال في ظل احتجاز الاحتلال لجثمانه.
وتقول عريقات:” الخريطة تدل على الوقت والمسافة من منزلنا حتى معهد أبو كبير للطب العدلي في يافا المحتلة، المسافة المقدرة هي ٧٣ كيلو متر كما في الخريطة، أي ما يقارب ساعة ونصف دون أي حواجز أو أي معيقات، جثمان شقيقي أحمد والعديد من الشهداء جثامينهم محتجزة في هذا المعهد التابع لجامعة تل أبيب و لوزارة الصحة الاسرائيلية”.
وتتابع:” تشير هذه الخريطة إلى العديد من السبل للوصول، إلى المكان حتى أنه يمكنني الوصول مشياً على الأقدام لمدة ٢٤ ساعة، تخيلوا ساعة ونصف بالسيارة تفصلني عن القاء نظرة الوداع على شقيقي الشهيد أحمد عريقات، جثمان أحمد محتجز هناك منذ عامين وست أشهر”.
وتسأل عريقات نفسها “ماذا إذا قررت الذهاب لطلب القاء نظرة على جثمان شقيقي؟، أولاً كيف سأصل إلى هناك ساعة ونصف بعلم الخرائط الإلكترونية لا تكفي للوصول حتى عامين ونصف، لم تكن كافية للوصول في ظل احتلال غاشم بظل سياسة قمع ممنهجة ساعة ونصف غير كافية، أتعلمون لماذا؟ ليس فقط لأننا لا نحمل بطاقة الهوية الاسرائيلية الزرقاء حيث تم تنفيذ عقاب جماعي بحقي وحق جميع أفراد أسرتي (بالمنع الأمني من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا إلى جانب احتجاز جثمان الشهيد أحمد عريقات لوقت غير محدد أي أنه لا يوجد سبيل للوصول إلى هذا المكان يا خرائط جوجل الرجاء بالمرات المقبلة توضيح حواجز ونقاط التفتيش التابعة لجيش الاحتلال الاسرائيلي الموجودة في الطريق وأيضاً يمكنك تحديد هويتنا ومنع اظهار الخريطة من الأساس”.