هيئة التحرير
للطبيعة وقعها المختلف والجذاب على الإنسان ففيها يستطيع التنفس بشكل أعمق والتفكير بشكل سليم، كما وأن بها جمالًا خاصًا وَقعُه جميل على الإنسان ويجعله يُحلق بفضاءات واسعة، فكيف بالتعليم في الطبيعة تلك الفكرة التي تعتمدها المقدسية دينا الحلواني في طريقة عمل مشروعها “ورقة” .
“ورقة” ذلك المشروع الذي بدأته المهندسة المقدسية دينا الحلواني في صيف عام ٢٠٢٠، مستلهمة إياه من مقولة لأينشتاين تقول” تأمل ملياً في الطبيعة ومن ثم ستفهم كل شيء بطريقة أفضل”، فبدأت هذا المشروع من خلال عقد صفوف في الغابة ومناطق طبيعية، بحيث تقوم بتقديم مناهج تعليمية قائمة على الطبيعة، ويستكشف الأطفال مواضيع علمية ومعرفية بطريقة واقعية وعملية، وتكون صفحة الكتاب ومرجعه هي الطبيعة والصف المدرسي تحده ظلال أوراق الأشجار وليس الجدران، كما أنها تقدم في مشروعها مجالات مختلفة من العلوم والفنون والرياضيات واللغات بأساليب تعليمية خلاّقة، وفق ما تقوله في حديث ل” بالغراف”.
حلواني تؤكد أن هدفها من المشروع يَكمُن في إشراك الأطفال في عملية تعليم واقعية قائمة على الطبيعة حيث البيئة التعليمية الخصبة، إضافة إلى تعزيز تواصلهم بها وانتمائهم لها منذ الصغر، وأيضًا توفير مساحات غير محدودة بالجدران وذلك لإطلاق عنان الاستكشاف والإبداع لهم، مبينة أنه في مشروعها “ورقة” فاللعب والتعلم مترادفان..
ولفتت إلى أنهم أنجزوا عددًا من الأبحاث العلمية التي أثمرت عن تكنولوجيا لحل مشاكل طبية بإلهام من مظاهر طبيعية، مستعرضة مثالاً حيث تقول أنهم في أحد الأبحاث قاموا بمراقبة كيفية تَكَيُف بعض الحشرات في فصل الشتاء بخفض درجة حرارة أجسامها بدون تجميد أنسجتها، مبينة أن هذه الظاهرة ألهمتهم لإنشاء تقنية لحفظ الأعضاء المتبرع بها في المستشفيات لوقت أطول.
وعن طريقة عمل المشروع أشارت حلواني إلى أن له عدة جوانب منها ورشات وجاهية في الطبيعة تدمج بين عدة أساليب تعليمية متعددة الحواس مثل “والدورف، وريجيو، وأميليا” والتي تحفز التعليم الإبداعي الخارج عن المألوف من خلال تغذية حب الاستطلاع و الاعتماد على الفنون و المشاريع العملية، إضافة إلى المناهج التعليمية التي يقدمونها لتدريب الأهل والمربين بواسطة فيديوهات على موقع مشروعهم، بحيث يُتاح تطبيقها مع الأطفال أينما كانوا في العالم، إضافة لتوفيرهم منتجات تعليمية فريدة على متجرهم، تحوي بطاقات حروف الطبيعة، وذلك من “أ أخطبوط إلى ي يعسوب”.
وبينت حلواني إلى أنهم يقدمون الحروف العربية بمفردات غنية مستوحاة من عالم الطبيعة، والتي تهدف إلى تعزيز الثروة اللغوية والمعرفية للطفل عن طريق تسمية الأنواع المختلفة ل “الطيور، والنباتات، والحشرات، والحيوانات”، مضيفة أنهم تعمدوا اختيار مفردات غنية خارجة عن المألوف، بحيث يتعلم الطفل أن للزهور أنواع مختلفة ويعرف تسميتها، فمثلًا بدلًا من أن يقول “هذه وردة” في كل مرة يرى زهرة بإمكان الطفل ذي الثلاث سنوات أن يُسمي النباتات المختلفة بأسمائها مثل زهرة “دوار الشمس أو زنبق الماء”، وبإمكانه أيضًا أن يتعرّف على بيئتها.
وحول الفئة المستهدفة في مشروعها لفتت إلى أنه في الوقت الحالي هي مرحلة الطفولة المبكرة من سن “٣-٨ سنوات”، مضيفة أنهم يعملون على تصميم مناهج ملائمة للأجيال الأكبر، ومشيرة إلى أنهم يقدمون على منصاتهم في “الانستغرام، واليوتيوب” أغاني للأطفال مستوحاة من عالم الطبيعة باللغة العربية الفصحى، بحيث تعتمد على حركات الأصابع أو ما يسمى بال “fingerplays” والتي لاقت إقبالًا واسعًا لدى الأطفال، إضافة لسرد قصص خيالية تعليمية، فهم يعملون في جميع نشاطاتهم على دمج الفنون مثل “القصة، والقصائد الشعرية، والحِرف اليدوية” وذلك في سبيل إيصال المعرفة لتكون التجربة التعليمية مؤثرة و ممتعة، وأيضًا تكون مستدامة ولا تُلقي بأي ضرر للطبيعة..
وحول مدى استفادة الاطفال من هذا المشروع أكدت حلواني أنهم بالتأكيد يستفيدون، فمع التطور التكنولوجي أضحى هناك انفصال بين الأطفال والطبيعة، فأصبح الأطفال يقضون أوقاتهم إما على الألعاب الإلكترونية أو في أماكن مغلقة ويقومون بنشاطات منظمة في الداخل وقلما يقضون وقتًا في الخارج، مشددة على أنهم في مشروع “ورقة” يعطون مساحة للطفل كي يتواصل مع الأرض و التراب، وتظهر نتيجة ذلك من خلال تفاعلهم مع هذا التعليم وذلك ب “عيش المغامرات، واكتشاف النباتات والحشرات والكائنات المختلفة، وجمع الحطب، وبناء الأنفاق، وتسلق الأشجار”، فيصبح الطفل متفاعلًا مع الطبيعة بمسؤولية وحب ويتعلم من خلال التجربة والتحدي، مضيفة أن هذه النشاطات تُكسِب الطفل مهارات عديدة وتربط المعرفة بواقعه الملموس، كما أنها تساعد على نمو جهاز عصبي سليم..
أما عن طموحها وما تسعى لتصل إليه فتقول أن كل طفل عندما يبدأ الكلام فإن أكثر كلمة يتفوه بها هي “لماذا” متمنية ألا يخسر الأطفال هذا الشغف الفطري بالعلم والمعرفة وأن لا يُوضعوا داخل قالب يَحُد من إبداعهم.
وشددت على أن طموحها يَكمن في أن يُصبح هذا الأسلوب في التعليم متوفر في المدارس وأن يتم دمجه، إضافة إلى التقليل من الاعتماد الكامل على التعليم التلقيني بين جدران الصف والاختبارات، خاصة وأنه قد أثبتت الدراسات أن التعلم في الأماكن الخضراء والهواء الطَلْق يزيد من انتباه الأطفال ويجعلهم أكثر ذكاءّ واستيعابًا، فتصبح مشاركتهم فعالة أكثر ممن يتلقون تعليمهم داخل الصفوف التقليدية.
ووجهت رسالتها بأن مشروع “ورقة” هو يؤمن بخلق نظام تعليمي يدعم التطور “الفكري، والعاطفي، والجسدي” للطفل، وهو يتمحور حول خلق تجارب و خبرات تترك آثارًا ساحرة على عقله وجسده وروحه، متمنية أن ترى كافة الأطفال يستكشفون في “الغابات المحلية، والجداول والشواطئ، والجبال” وهي كثيرة في بلادنا الجميلة.
ودينا حلواني هي فتاة مقدسية حاصلة على الدكتوراه في الهندسة الطبية، وتعمل إلى جانب مشروعها “ورقة” كباحثة و مستشارة في الأبحاث العلمية، وهي أم لطفلين ومؤلفة أغاني للأطفال.
