تسنيم دراويش
في قلب مخيم عايدة ببيت لحم برز المهندس أكرم الوعرة، كفنان مقاوم طوع القنابل التي تسقط على مخيمه، مُحولًا إياها من أدوات للموت لقطع فنية تعكس معاناة الفلسطينيين وتنادي بحق العودة
بدأت قصة الوعرة مع القنابل عام 2014، حينما شهدت الضفة الغربية اجتياحات عسكرية متكررة، حيث كان حينها يضطر لإغلاق متجره معظم الوقت، نظرًا لقُربه من جدار الفصل العنصري، الذي كان مَسرحًا للاشتباكات.
يستذكر الوعرة في حديث ل” بالغراف” بدايته بالمشروع قائلًا “في أحد الأيام، وجدت قنبلة غاز في المحيط، حملتها إلى المحل وبدأت أفكر في كيفية تحويلها إلى شيء إيجابي”، وباعتباره فنانًا يعيد تدوير الشوك والمعالق والأسلاك إلى إكسسوارات، قرر الوعرة تحويل هذه القنابل لإكسسوارات تحمل رسائل وطنية.
نجح الوعرة في تحويل القنابل لإكسسوارات مبتكرة تشمل “السلاسل” والأساور، والأقراط”، وتحمل رموزًا فلسطينية مثل “الكوفية، وخارطة فلسطين، وحمامة السلام”، كما وأبدع في دمج هذه القنابل مع خشب الزيتون، الذي يعتبر رمزًا للقدسية، واصفًا هذا التحول بأنه سعي لدمج الحياة التي يرمز لها خشب الزيتون مع الموت الذي تمثله القنابل، ليخلق قِطعًا فنية تَضُج بالحياة.
يستخدم الوعرة العبارات الوطنية المختلفة، لكن لعبارة “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” للشاعر محمود درويش مكانة خاصة لديه كونها تعد حجر الزاوية في مشروعه، حيث لاقت رواجًا كبيرًا وتحولت لواحدة من أكثر العبارات طلبًا، وما يميزه أنه يعرض هذه العبارة بتفاصيل ورموز متنوعة باللغتين العربية والإنجليزية، ما يعكس صمود الفلسطيني على أرضه.
يحرص الوعرة على تجسيد معاناة الفلسطينيين في أعماله الفنية، حيث يعبّر عن كبتهم وأحلامهم المسلوبة من خلال لوحاته، مؤكدًا أنه عندما يتحدث عن الجدار فهو لا يقدسه، بل يُجسد المعاناة التي يعيشها سكان المخيم، والحرية التي حُرموا منها، مستذكرًا طفولته التي قضى جزءًا منها خلف الجدار، حيث كانت حقول الزيتون تمثل المتنفس الوحيد للأطفال للعب، لكن الجدار جاء ليقضي على هذا الفضاء.
ويستوحي الوعرة أيضًا قطعه من الأحداث المأساوية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، فمثلاً عندما اغتال الاحتلال الصحفية شيرين أبو عاقلة قام بتجسيد لحظة ارتقائها في إحدى لوحاته مع تصوير الصحفيين والقناص، ليجمع بين الحدث المُفجع والجدار القاتل، ليربط في هذا التجسيد بين واقع الاغتيالات والمعاناة المستمرة.
يعتبر معظم زبائن الوعرة من السياح الأجانب والمغتربين، مبينًا أنه في البداية واجه صعوبة في تقبلهم لقطعه الفنية التي يصنعها، لكنه بدأ بجلب القنابل وعرضها عليهم، موضحًا لهم كيف يمكن تحويل هذا الخطر إلى فن مفيد.
في عام 2014، أعلنت وكالة الغوث أن مخيم عايدة هو المخيم الأكثر تعرضًا في العالم لقنابل الغاز المسيل للدموع، وهو ما شجع الوعرة على الاستمرار وإيصال الفكرة بشكل أوسع، وفق قوله
وحول كيفية إعداد هذه القطعة الفنية أوضح الوعرة أنها تمر بعدة مراحل دقيقة، بداية من فتح القنابل وتنظيفها، ومن ثم طرقها، وعقب ذلك يتم الرسم عليها بالتصميم الذي يختاره الفنان، مؤكدًا أن عملية التنظيف تستغرق ما بين 10 إلى 15 يومًا، معتبرًا أن مرحلة التنظيف لا تقل أهمية عن التصميم النهائي، إذ يسعى دائمًا لضمان أن تكون قطعه الفنية صحية تمامًا وآمنة للاستخدام البشري، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإكسسوارات.
وأكد الوعرة أن هناك عددًا من الصعوبات التي يواجهها في التعامل مع هذه القنابل، حيث عانى من مشاكل جلدية وتنفسية نتيجة لهذه التجربة، رغم أنه تمكن من التغلب على مشاكله الجلدية بفضل التدريبات المخصصة في كيفية التعامل مع القنابل، إلا أن معاناته مع مشاكل التنفس لا تزال مستمرة.
ومع اندلاع الحرب، اضطر أكرم لإغلاق محله بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها السكان وقلة السياح الذين يزورون المخيم، لكن وعلى الرغم من شح المبيعات إلا أنه قرر إعادة فتح محله، مؤمنًا بأن الحرب ستنتهي وستعود الأمور إلى طبيعتها بل وأفضل مما كانت عليه، مفيدًا بأنه سيستمر في الإنتاج لأن الإبداع يحتاج للاستمرارية، مبينًا أنه يعتمد على التسويق الالكتروني من خلال عرض قطعه الفنية على صفحته في منصة إنستغرام.
“مفتاح العودة” هو الاسم الذي اختاره أكرم لمتجره، ليكون رمزًا للرسالة القوية التي يسعى لإيصالها للعالم، والتي مفادها أن الفلسطيني متمسك بحق العودة، مؤكدًا أن هذا الاسم يمثل إصرار الفلسطيني على العودة وهو لن يتوقف أو يكل، وسيبقى صامدًا رغم الجدار والقنابل والضغوط.