هيئة التحرير
تسارعت في الساعات الأخيرة الأخبار المتعلقة بإمكانية التوصل لوقف إطلاق النار بغزة وإبرام صفقة لتبادل الأسرى، أخبار لاقت تفاعلًا إيجابيًا للتوصل لهدنة هذه المرة ولكن هذه الإيجابية يشوبها الحذر الشديد من أن تفشل المفاوضات في لحظتها الأخيرة كما هو الأمر خلال العام المنصرم، فهل ستنجح المفاوضات هذه المرة في وضع حد لحرب الإبادة المتواصلة، أم أنها ستتعثر في لحظاتها الأخيرة؟!
تفاؤل حَذِر
المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي بين في حديث ل” بالغراف” أن هناك نوعًا من حالة التفاؤل من ناحية والتشكيك من ناحية أخرى، بمعنى هناك تفاؤل حول وجود إمكانية للتقدم نحو إبرام الصفقة، وموافقة نتنياهو على إرسال قادة المنظومة الأمنية وهم رئيس جهاز الموساد ورئيس جهاز الشاباك وممثل الجيش في المفاوضات ألون.
وتابع بأن هذه بالنسبة للإسرائيليين ربما تكون نقطة إيجابية ولكن إرسال أحد مستشاري نتنياهو مع الوفد تثير علامة استغراب وكأن نتنياهو يبعث مُراقبًا مرة أخرى من طرفه على قادة الأجهزة الأمنية كي يبقى هو في اتصال مباشر وعلى إطلاع مباشر لما يحدث، مفيدًا بأن هذا هو ما قد يُقلِق بعض المحللين الإسرائيليين بأن نتنياهو يريد من يراقب أجهزة الأمن أو قادة أجهزة الأمن لأنه لا يثق بهم أو بقراراتهم.
وأكد أن هناك تركيزًا على دور المبعوث الأمريكي من الإدارة الجديدة إدارة ترامب والذي انخرط في المفاوضات وهناك حديث عن إجراء مكالمة بين مسؤول من إدارة بايدن ومسؤول من إدارة ترامب مع نتنياهو في مكالمة مشتركة وهو ما يشير إلى مدى إنخراط الإدارة المقبلة في البيت الأبيض بهذه المفاوضات، مبينًا أن الشكوك تبقى حول ما تسمى بالاعتبارات الحزبية داخل الإئتلاف الحكومي والتي قد تُعرقل الصفقة في اللحظة الأخيرة وتدفع نتنياهو إلى اختلاق أعذار جديدة لإحباط الصفقة، مفيدًا بأنه بالمجمل هناك تفاؤل ولكنه حذر بشكل شديد.
البرغوثي أوضح أن ترامب يريد أن يدخل البيت الأبيض دون أن يجد صداع إسمه الصفقة وقضية الأسرى الإسرائيليين في غزة، ولكن في اسرائيل هم غير قادرين على فهم تهديد ترامب نفسه عندما تحدث عن جهنم فبعضهم رأى أنه سيفتح نار جهنم على قطاع غزة وفي هذا الجانب يتساءلون ما الذي يمكن أن يفعله في غزة أكثر مما فعلوه، مفيداً أن بعض التحليلات تذهب إلى إمكانية فرص حصار مطلق ومنع لدخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية كما يقال بشكل تام، ومن ناحية أخرى هناك من يرى بأن ضغط ترامب قد يتحول تجاه إسرائيل، ولذلك فهناك حالة من عدم اليقين في اسرائيل تجاه موقف ترامب وهو ربما ما دفع الكثيرين إلى العمل من أجل إبرام الصفقة قبل وصوله إلى البيت الأبيض.
وأضاف أن القضية تبقى رهن قرار نتنياهو، حيث بعض التحليلات تشير إلى وجود قلق من شركائه في الائتلاف الحكومي، وخاصة بأنه موخرًا سموتريتش تحول موقفه في الأشهر الأخيرة من تقبله لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين وإبعادهم إلى الخارج إلى رفض لهذه الفكرة بشكل تام. حيث قالها بصراحة لعائلات الأسرى الإسرائيليين بأنه لن يقبل بإطلاق سراح أسرى مقابل جثث وعندما سُئِل عن مصير الأسرى الأحياء من الإسرائيليين قال إنه لا يضمن عودتهم أحياء ولذلك فالقضية تبقى مرهونة بالقرار الداخلي الإسرائيلي وقدرة نتنياهو على إقناعهم خاصة وأن بعض أعضاء الكنيست وربما الوزراء من أحزاب الصهيونية الدينية بدأوا بإعلان مواقف رافضة للصفقة التي تتبلور حالياً.
بدوره يقول المحلل السياسي نهاد أبو غوش في حديث ل” بالغراف” أنه بلا شك يوجد أمل هذه المرة لأن تتم الصفقة وذلك نظرًا لوجود العديد من العوامل والضغوط أبرزها، الضغط الداخلي الإسرائيلي سواء من أهالي الأسرى أو من أهالي الجنود وحتى الخلافات بين الجيش والقيادة السياسية، عدا عن استنفاذ العملية لأهدافها العسكرية حيث لم يعد هناك أهدافًا يمكن المخاطرة من أجلها لمواصلة هذه الحرب بكل ما تنطوي عليه من خسائر وإمكانية لتعريض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر.
وأضاف أيضا بوجود عامل ضاغط آخر وهو إدارة ترامب الذي قال أنه يريد أن يكون كل شيء منتهيًا قبل تسلمه ولذلك أكد أنه يرى بأن نتنياهو راوغ وماطل وأجل وعطل الصفقة طيلة سنة كاملة، وذلك لأنه لم يرد أن يُنجز هذا الأمر في عهد بايدن إنما لا يمكنه التلاعب إلى ما لا نهاية. خاصة وأنه يطمح بالتعاون مع إدارة ترامب وأن يحصل على دعمه في تنفيذ أجندات إسرائيل الإقليمية والتوسع وضم أراضي فلسطينية ومساعدة إسرائيل في مواجهة إيران، وهناك ملفات كاملة بحاجة لتفاهمات أمريكية إسرائيلية، معتقدًا أن نتنياهو لا يمكنه المغامرة بإغضاب ترامب.
عدم ثقة بصدق نتنياهو
شهد العام المنصرم تعثر المفاوضات بشكل كبير نتيجة وضع نتنياهو لشروط مختلفة أو قيامه بتصريحات، أدت لفشل التوصل لصفقة في لحظاتها الأخيرة، فعل سيكون مصير هذه المفاوضات كسابقاتها أم أن الأمر سيختلف هذه المرة؟!
أبو غوش بين بأن هناك إحتمالًا كبيرًا بأن تتم هذه الصفقة هذه المرة حيث هناك فرصة كبيرة، ولكن نتنياهو عَوّد الجميع بأنه يمكنه وضع عصا إضافية في الدواليب، أو ربما يضع شرطًا جديدًا حيث هو في نهاية المطاف من عطل الصفقة طيلة هذه الفترة وكان يفعل ذلك لحساباته الشخصية وحرصاً على تماسك الإئتلاف الحكومي، ولذلك لا يُستبعد أن يقووم بذلك هذه المرة أيضًا.
وأضاف بأنه يمكنه أن يضع المسؤولية على الفلسطينيين وهو لن يواجه صعوبة كبيرة في اتهام الفلسطينيين، وذلك حين يضيف شروطًا تعجيزية جديدة ولا يستطيع الفلسطينيين الالتزام بها مثل المطالبة بكشف أسماء كاملة بكل الأسرى الأحياء وما إلى ذلك.
من جانبه أفاد الرغوثي بأنه هذا مرهون بموقف الإدارة الأمريكية القادمة من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الوضع بالنسبة للإسرائيليين على الأرض ليس جيدًا حيث قُتِلَ 10 جنود خلال خمسة أيام إضافة لثلاثة إسرائيليين في الضفة، كما أن الجيش منتشر في لبنان وسوريا وأيضًا الضفة تسخن شيئًا فشيء، كما أنهم في قطاع غزة يتكبدون خسائر حيث 400 جندي قُتِل منذ بدء الحرب البرية و50 منذ بدء العملية البرية المتجددة في شمال غزة، مبينًا أن كل هذا يضغط باتجاه البحث عن حل لإنهاء الحرب.
ونوه إلى أنه حتى الآن فالأمور غير واضحة حيث البعض يتحدث عن استيطان شمال غزة والبعض يتحدث عن سيطرة عسكرية كاملة على شمال القطاع دون العودة للاستيطان، ولذلك فهناك الكثير من السيناريوهات المطروحة فالبعض يتحدث عن استمرار الحرب ولذلك تبقى الأمور مُعلقة ومرهونة بمصير الصفقة ومعرفة ماذا بعد المرحلة الأولى إن تم الاتفاق على المرحلة الأولى.
استبعاد لتفكك الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي
وزراء حكومة الاحتلال شكلوا معارضة كبيرة طيلة العام المنصرم لإقامة أي صفقة، ومنهم من هدد بالانسحاب من الإئتلاف الحكومي حال إتمام الصفقة، فما مصير الائتلاف الحكومي الإسرائيلي حال حدوث الصفقة؟!
البرغوثي أوضح بأن هذا الأمر لم يُحسم الآن، لأن الحديث عن أن الصفقة أُبرِمَت أو تم التوصل لها لم يحدث ولذلك كما يبدو فشركاء نتنياهو ينتظرون التفاصيل من ناحية، وربما يجري نتنياهو معهم مفاوضات لإعطائهم ضمانات مثل أن الصفقة لن تتجاوز المرحلة الأولى، وذلك لإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين وبعدها ستعود إسرائيل للحرب، مضيفًا أن كل هذه الأمور مرتبطة بفهم شركاء نتنياهو لطبيعة الصفقة هذه وكيف سيفسرها نتنياهو لهم ونواياه تجاه هذه الصفقة، وإن كان يريد تجاوز المرحلة الأولى. ولذلك وحتى الآن فإن الوضع لم يُحسم بعد، وأي شيء يمكن أن يحدث بأي لحظة.
بدوره يرى أبو غوش أن حجج وزراء ونواب التطرف الإسرائيلي لن تتوقف على الصفقة، فهم يعارضون أي علاقة مع الفلسطينيين وأي هدنة معهم ويطمحون بضم كل أراضي فلسطين واحتلال جنوب لبنان، مضيفًا أنهم يسكنون في أوهام ومعتقدات دينية وأسطورة، ويرون أن من واجب إسرائيل أن تواصل حربها حتى تحقيق أهدافها التوسعية والاستيطانية.
وأشار إلى أنه لا يعتقد أن هؤلاء يمتلكون فرصة أفضل من حكومة نتنياهو فلولا نتنياهو لم يكن هؤلاء لا نواب أو وزراء وبالتالي هم لا يستطيعون تحديه حتى النهاية، وإذا عملوا على تفكيك الإئتلاف الحكومي فسيكونون هم أول الخاسرين، وذلك لأن خروجهم من الحكومة لن يدفع إلى انهيار الحكومة أولًا لأن هناك أحزابًا ستوفر ما يسمى بشبكة أمان إذا ما انسحب بن غفير وسموتريتش، مضيفًا أنه إذا ما جرت انتخابات مبكرة فإنه من شبه المؤكد أن سموتريتش لن يصل بسبب تراجع شعبية حزبه، وأيضًا سيضعف بن غفير، وبالتالي فحكومتهم هذه هي أفضل ما يمكن أن يحصلوا عليه.
واعتقد أبو غوش أنهم لن يبددوا ذلك، خاصة وأنه في المواجهة الأخيرة بين نتنياهو وبن غفير وعقب عدم تصويت بن غفير لصالح الميزانية فإنه اضطر للإعتذار عقب ذلك حيث أدرك أنه أخطأ، ولذلك ليس لهم مصلحة في تفكيك هذه الحكومة.
تشاؤم من إتمام الصفقة
البرغوثي أشار إلى أنه من تجربة العام المنصرم فإنه لديه حالة من التشاؤم حيث القلق من أن نتنياهو في اللحظة الأخيرة قد يخرج بشرط جديد أو تصريح جديد أو عملية جديدة تعرقل الأمر، مضيفًا أن حركة حماس تريد أن تُبقي الكرة تمامًا في الملعب الإسرائيلي والمفاوضات، وأن أي تعطيل يُتهم به نتنياهو وإسرائيل بشكل مباشر، مشيراً إلى أنه كيف ستحدث الصفقة وهل ستحدث وكيف ستكون تفاصيلها وحتى لو تم الموافقة على الإطار العام فهناك الكثير من التفاصيل بها، ولذلك وجود بند واحد منها قد يكون كفيل بعرقلة الصفقة إن لم يتم الاتفاق عليه.
وتابع بأن موقف شركاء نتنياهو في هذه المرحلة له أهمية كُبرى حيث نتنياهو يحسب حسابًا كبيراً لموقف هؤلاء، فكيف سيتفاهم معهم حول قبول أو التصويت لصالح الصفقة أو على الأقل ربما الامتناع عن التصويت مقابل ضمان حصوله على أصوات أخرى من المعارضة لتبرير الصفقة في المرحلة الحالية، وأيصًا إن صوت شركاء نتنياهو ضد الصفقة فعلى الأقل أن لا يقوموا بتفكيك الحكومة والتسبب في انهيار الإئتلاف الحكومي، ولذلك ربما إن ضمن نتنياهو كل ذلك قد يذهب الى الصفقة.
وأكد أن قرار نتنياهو دائمًا ما يرتبط بمصالحه الحزبية والشخصية، كما أن المعارضة تتصاعد حيث وزيرة الاستيطان قالت إنها تعارض الصفقة ووصفتها بأنها انتصار للإرهاب، متساءلًا حول كيفية تصاعد هذا الموقف داخل الإئتلاف الحكومي فقد يكون ذلك مؤشرًا كبيرًا على الصفقة، مشيرًا إلى أنه من هنا تأتي حالة التشاؤم بشكل خاص لديه بسبب موقف نتنياهو الشخصي وقلقه من شركائه بالإئتلاف الحكومي.
حراك إسرائيلي لوقف الحرب
أبو غوش أفاد أن ضغط ترامب هو أحد العوامل المهمة ولكن هناك عوامل أخرى داخلية حيث الإجماع الإسرائيلي على الحرب تفكك يومًا بعد يوم، حيث وصلت نسبة الإسرائيليين المطالبين بإبرام الصفقة مهما كان الثمن لما يقارب ال 80%، إضافة لِتَشَكل حركات جديدة مطالبة بوقف الحرب، ففي الماضي كان الأمر يرتبط بأهالي الأسرى ولكن الآن بات هناك حِراكًا من أهالي الجنود الذي يقولون إن أبناءهم يُقتلون دون سبب وأن هذه الحرب ماضية دون أهداف ولا طائل من وراءها فقط هم يخسرون.
وتابع بأن هناك عوامل أخرى أبرزها الوضع الداخلي الإسرائيلي والضغوط التي تتعرض لها الحكومة الإسرائيلية من المجتمع الإسرائيلي، سواء بسبب الاقتصاد أو أهالي الأسرى أو أهالي الجنود أو ضغط المؤسسة العسكرية أو المعارضة فكلها عوامل ضاغطة على حكومة نتنياهو لإتمام هذه الصفقة.