ربيع أبو نواس .. عندما تتوقف الساعة عن الدوران

كتبت رشا حرز الله

في السابع من نيسان/ إبريل الماضي، توجهت أم ربيع أبو النواس من بلدتها سنجل شمال شرق رام الله، إلى سجن الرملة لزيارة ابنها ربيع، المعتقل منذ نحو عامين ونصف، 20 شهرا منها في العزل الانفرادي، 14 شهرا منها بشكل متواصل.

جلست الأم أمام العازل الزجاجي في غرفة الزيارة تنتظر ابنها، لتذهل من حاله عندما أتاها، بدت صحته متراجعة كثيرا، وهيئته الخارجية لا تدل على عمره الثلاثيني بل وكأنه هَرِم قبل أوانه، شعره طويل بعد مصادرة ماكينة الحلاقة منه، كما كان هزيلا وغير قادر على المشي، ملابسه رثه ومتسخة، وخسر من وزنه الكثير.

أرادت الأم تلطيف الأجواء بالتخفيف عن ابنها ومعايدته بقدوم شهر رمضان المبارك “كل عام وأنت بخير يما، كيف الصيام معك؟”، ليصاب هو بالذهول هذه المرة ويرد عليها “ليش يما هو رمضان بلش؟!”، رغم أنه كان قد مر ستة أيام على بدء الشهر الكريم.

ربيع مقطوع عن العالم الخارجي منذ أكثر من ستة أشهر، حيث تعزله إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي في عزل الرملة، ما أثر على حالته النفسية، وجعله غير مدرك لما يجري حوله، ولم يعد للوقت ولا الأحداث التي تجري ولا المناسبات أي معنى لديه، وبدلا من تقديم العلاج له، يواصل الاحتلال عزله.

“رجعت من الزيارة مهمومة” هكذا تصف الأم شعورها، عندما حدثها ربيع عن حاله في الزنزانة، لا طعام يكفي حاجته وفي كثير من الأحيان يقوم بإرجاعه لأنه سيء وغير مطهو جيدا، ولا ماء أو كهرباء ولا أي وسيلة توصله بالعالم الخارجي، وللآن تتذكر ما قاله لها “يما من الوحدة بحاكي الحيطان”.

قالت الأم “كنت أتوقع أن أعود مسرورة من رؤيته، لكني عدت مثقلة بالحزن والهموم والتفكير في حال ابني الوحيد، أنا لم أنجب أولاد سواه، أنجبته بين أربع فتيات، الحال التي رأيتها عليه صادمة لي ولزوجته”.

ما يحزن ربيع أيضا أنه لا يدرك مواقيت الصلاة، وخلال الزيارة حاول أمه تقريب الوقت له من خلال شروق الشمس وغروبها ليتمكن من أدائها.

قبل اعتقاله في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، كان ربيع (33 عاما)، يعمل في تمديد الكهرباء بالورشات، وتزوج من فتاة وأنجب منها ثلاث طفلات هن: فاطمة (6 أعوام)، ماسه (4 أعوام)، سوار(عامان)، والتي كانت في عمر الشهرين حين اعتقال والدها.

من المفترض أن تحكم محكمة الاحتلال الإسرائيلي على ربيع بالسجن عدة أشهر، إلا أن نيابة الاحتلال تطالب بحكم يصل إلى 16 عاما، بعدما ادعت إدارة السجون أنه اعتدى على أحد السجانين بالضرب معتبرة ذلك “محاولة قتل”، لكن أمه تقول إن ابنها صد اقتحام أقسام “عوفر” إلى جانب الأسرى، ونكلّ الاحتلال به وعرّضه للتعذيب الجسدي والنفسي.

وتستذكر ما حدث معه في شهر شباط/ فبراير عام 2020، بعد أن تصدى الأسرى لعملية قمع نفذتها وحدات القمع التابعة لإدارة السجون، كان نجلها يقبع في حينه هناك، حيث اعتدى السجانون عليه بوحشية وأصابوه بجروح في أنحاء جسده، لينقل بعدها إلى العزل الانفرادي.

عاشت أم ربيع في حينه وقتا قاسيا، حيث لم تعلم شيئا عن حالة ابنها الصحية، كونه كان ممنوعا من الزيارة، حيث يتم حرمان عائلات الأسرى المعزولين من الزيارة ورؤية المحامي.

تشير الأم إلى أن إدارة سجون الاحتلال لم تكتفِ بتعذيب ابنها، بل تقوم بخداعة أيضا عندما تذهب عائلته لزيارته، فإنها تبلغه أن المحامي بانتظاره، وعندما يحضر ويرى عائلته يصاب بالصدمة تعلل الأم ذلك قائلة “لا يريدون له أن يفرح بشيء أو ينتظر شيئا مفرحا”.

يعتبر العزل أحد أقسى أنواع العقاب الذي تمارسه إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي بحق المعتقلين، حيث يتم احتجاز المعتقل لفترات طويلة منفردا في زنزانة معتمة وضيّقة قذرة، تفتقر لأدنى مقومات الحياة الآدمية، جدرانها رطبة ويعلوها العفن، بها حمام أرضي قديم، تخرج من فتحته الحشرات والجرذان ما يسبب مضاعفات صحية ونفسية خطيرة على المعتقل.

واعتمدت سلطات الاحتلال هذه السياسة للتأثير على معنويات الأسير وتحطيم معنوياته عبر عزله عن العالم الخارجي.

ويخضع الأسرى المعاقبون “بالعزل الانفرادي” لإجراءات أمنية مشددة، ويحرمون من التغذية والعلاج والمحاكمة، بهدف تحطيمهم جسديا ونفسيا وعقليا، كما تلجأ إليها سلطات الاحتلال، كوسيلة للانتقام لما قام به الأسير من عمل مقاوم، وأحيانا لإحداث حالة إرباك بين صفوف الأسرى وعزل المؤثرين منهم وقيادات الحركة الأسيرة والحد من تأثيرهم على الآخرين.

يعتبر العزل نوعا من أنواع التعذيب النفسي المحظورة بموجب المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب المبرمة في العام 1984، كما يعتبر العزل من أساليب المعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة المحظورة بمقتضى المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والحقوق السياسية. إضافة إلى ذلك، فإن ظروف العزل لا تلائم الحد الأدنى من المقاييس الصحية للسجون ومراكز الاعتقال التي توجبها المادتان (91) و(92) من اتفاقية جنيف الرابعة.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة
الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعة