هيئة التحرير
رصدت عدسة المصور الصحفي هشام أبو شقرة مشهداً لدخول المصلين على المدخل الجنوبي لمدينة القدس قبيل صلاة الجمعة سرعان ما انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عناوين كثيرة أبرزها مشهد التحرير.
ورصد المصور تقدم عشرات المصلين الفلسطينيين على حاجز الاحتلال الإسرائيلي على المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، وهو المدخل الجنوبي لمدينة القدس، والمؤدي إلى المسجد الأقصى المبارك، تقدم المصلين العُزل وسط تراجع جنود الاحتلال المدججين بالسلاح.
ولقي الفيديو الذي نشره أبو شقره تحت عنوان مشهد من المستقبل القريب تفاعلا كبيرا وواسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشره العشرات، تأكيدا على النصر القريب، وعلى أن هذه الثواني اختزلت الصراع.
وأكد أبو شقره في حديث لـ بالغراف أنه صور الفيديو على الحاجز على المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم أثناء توجه المصلين لأداء صلاة الجمعة، وأغلب المصلين الذين ظهروا في الفيديو كانو ممنوعين من الدخول وفقا لشروط وتعجيزات جيش الاحتلال.
وأشار إلى أن الجنود كانوا يمنعون العشرات من الدخول وكانوا في طريقهم لمغادرة المكان، وبدأوا يتراجعون إلى الخلف وفي هده اللحظات بدأ المصلون بالتقدم والجنود بالتراجع، ولفتت انتباهي اللحظة وصورتها أكثر من لقطة.
وقال أبو شقرة: “تخيلت أن المشهد في المستقبل سيكون هكذا، وهو مشهد عظيم لتراجع الاحتلال وانتصار الفلسطينيين، وقمت بنشره على حسابي على تطبيق الانستغرام، تحت عنوان مشهد من المستقبل القريب”.
وأضاف: “فور نشر الفيديو لقي تفاعل كبير، من وكالات أنباء، وفضائيات ووسائل إعلام، وناشطين ومشاهير على السوشال ميديا، انتشر الفيديو بسرعه على كل وسائل التواصل الاجتماعي، لم أكن أتوقع أن يلاقي كل هذا الرواج والانتشار”.
وعبر أبو شقره عن سعادته الكبيرة بالرواج الكبير الذي لاقاه المشهد، عبر التعليقات والرسائل التي تصله على وسائل التواصل، وصولا إلى أن رسامي الكاريكاتير الهمهم هذا المشهد العظيم
بدوره حوّل الفنان ورسام الكاريكاتير ناصر الجعفري المشهد الذي رصده المصور الصحفي أبو شقرة إلى لوحة فنية مستلهما كلمات الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش: ايها المارون بين الكلمات العابرة آن أن تنصرفوا”.
وقال الجعفري في حديث لـ بالغراف: “ أحيانا هناك لحظات بصرية توثق لمراحل تاريخية، أنا رأيت في هذا الفيديو اختصر الصراع، بمعنى أنه اعطى آفاق أوسع من اللحظة على أهميتها وخطورتها، بأن هذا هو مستقبل الصراع فالأرض لابنائها والغاصب سيتراجع ويزول بأي لحظة من اللحظات”.
وأضاف: “حسب المعطيات والمعادلات المادية الواقعية، فأنت تتحدث عن جيش قوي جرار لا يستطيع الوقوق أمام عزل كما وثق المشهد، فالمشهد جسد الصراع واختزله في لحظات، تراجع القوة التي تمثل كل مشروع الاحتلال امام اصحاب الحق، القوة البصرية لهذه الثواني ربما أبلغ من محاضرات سياسية، اعتقد أن على الطرف الآخر ان يقرأها جيدا ويتوقف امامها، من هنا كرسام كاريكاتير وجدت كل عناصر المفارقة ورسمته”.
وقدم الجعفري شكره لكل من ساعد على توثيق هذه اللحظات التاريخية، لمن صنعوها على الأرض بصمودهم، وللصحفيين الذين يتكبدون عناء ومشقة وخطر التواجد أمام المحتل من أجل توثيق لحظات تاريخية تبقى أمام أجيالنا.
ولقي الفيديو رواجا كبيرا بين الصحفيين الفلسطينيين، وقال المراسل الصحفي حافظ أبو صبرة: “الفيديو الذي وثقه الزميل هشام أبو شقرة ما بينحكى عنه بس بينشاف، يمكن شاهدته عشرات المرات، وهو يصف مشاهد في مخيلة الفلسطيني وثقه بحدث على الأرض”.
وأكد أنه هذه المشاهد التي يوثقها المصورون وتحديدا الزميل أبو شقرة هي مشاهد ستبقى لسنوات وسنوات، وسنبقى نتذكرها ونتذكر هذا المشهد الذي يحاكي أفلام هوليود.
الأكاديمي والشاعر ايهاب بسيسو قال: “يعد هذا المشهد الذي قام بتصويره الزميل هشام أبو شقرة من أكثر المشاهد تأثيرا على صعيد المواجهات في المسجد الأقصى وامتداداتها في باقي المحافظات الفلسطينية، فهو تواجد في المكان والزمان الصحيح.
وأضاف: “الصورة كانت تحمل الكثير من الدلائل منها هذا الزحف البشري المشحون بالإدارة والتصميم أمام ارتكاب جنود الاحتلال وتراجعهم بل تقهقرهم أمام الحشد الفلسطيني في بلاغة مشهدية، اعتقد الكثيرون في البداية عندما تم تداول هذا الفيديو القصير أنه ربما يكون جزء من مشهد تمثيلي إلا أن الحقيقة كانت أكثر بلاغة وأكثر قوة وأكثر حضورا”.
وأشار بسيسو إلى أن الفضل يعود إلى الصحفي أبو شقرة الذي التقط هذه اللحظة الفارقة وشحن المشاعر الفلسطينية بالكثير من الأمل وحفز أيضا الروح الفلسطينية بالكثير من الإرادة التي جسدها هذا الحشد الفلسطيني في توجههم إلى الأقصى”.
وقال:” اليوم ونحن نشاهد هذا الفيديو، ومع إضافة بعض المعالجات من أغاني وطنية، ومقاطع موسيقية، باعتقادي أصبح لدينا الآن مادة بصرية بالغة الأهمية ومؤثره بدرجة كبيرة لم نر مثلها بهذه القوة وهذا الزخم، فهو مشهد وطني فلسطيني يجسد فيه الفلسطينيون إرادة قوية، وهو مشهد سيظل طويلا في الذاكرة، والتي سيتم أيضا استخدامها وتوظيفها في المستقبل لما فيها من إرادة وأمل”.
من ناحيته أكد استاذ الإعلام في جامعة القدس نادر صالحه أن الصورة تعالج وترمم الخسائر على الأرض، مشيرا إلى مشهدية تراجع قوة عسكرية اسرائيلية مدججة بالسلاح وبخفة يد على الزناد أمام مجموعة من الفلسطينيين العزل إلا من ايمانهم وبحقهم في الأرض وصلاتهم فيها في مدينة بيت لحم كان أحد هذه المشاهد في العشرين من رمضان لعام 2022 التي ستعيش طويلاً.
مشهدية الخطوات الواثقة للمدنيين في مقابل الخطوات المتراجعة والخائفة لعشرات الجنود، مشهدية الوجه المكشوف أمام الأقنعة والخوذ العسكرية، مشهدية سجادة الصلاة أمام فوهات البنادق، مشهدية الملابس المدنية الخفيفة أمام البزات العسكرية الثقيلة، مشهدية تقدم سيل الماء وتراجع جدار الاسمنت المسلح، مشهدية الأصل أمام الطارئ، ذهب الفلسطينيون بعيداً في إسقاط هذا المشهد على ما سيكون في بضع سنين، انتصار الحق، ذعر الطغاة والتحرير، والوعد اليقين بزوال الاحتلال.
وقال: “كان يمكن لهذه المشهدية التي يخفق لها القلب أن تموت لو لم توثقها عدسة المصور الفلسطيني هشام أبو شقرة، حفظ الفلسطينيون تفاصيل مشهدية الجسارة عن ظهر قلب وبجودة 4k، عدد خطوات تراجع الجنود وعدد خطوات تقدم المصلين، ألوان وترتيب وعدد وملامح وجوه كل من كان في المشهد، هذه ليست المرة الأولى التي يحظى فيها الفلسطينيون بصورة قاتلة ستخدش ذاكرة جيل، وستتصدر المحتوى الرقمي البصري الداعم للحق الفلسطيني، رصيد الفلسطيني من صور الجسارة حافل، وكذلك رصيده في التضحيات على مدار قرن من النضال للحرية.
وأضاف: “ولربما، كان لا يمكن لهذه المشهدية أن تكون من أصلها لولا عظيم تضحيات هذا الشعب العظيم واستمرارية وتصاعد حالة الصمود والنضال الفلسطيني في السنوات الأخيرة في وجه آخر احتلال في العالم، تسعُ خطوات إلى الأمام، وثمان إلى الخلف. ربح الجمال، شكراً أبو شقرة على توثيق هذه اللحظة.
الشاعر تميم البرغوثي نشر الفيديو مدمجا مع قصيدته:
“لو صادَفَ الجَمعُ الجيشَ يقصدُهُ
فإِنّهُ نَحوَ الجيشِ يندفعُ
فيرجع الجندُ خطوَتَينِ فَقَط
ولكِنْ القَصْدُ أنّهُم رَجعوا
أرضٌ أُعيدت ولو لثانيةٍ
والقوم عزلٌ والجيش مُدَّرِعُ”
الصحفي هشام أبو شقرة
من مواليد مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة في العام ١٩٨٨، درس الصحافة والإعلام في معهد الإعلام العصري بجامعة القدس، ويعمل مصورا لوكالة أنباء الأناضول التركية.
حاز الزميل أبو شقرة على العديد من الجوائز الدولية في تركيا أهمها:
في العام ٢٠١٥ المركز الأول عن فيديو الطفلة عهد التميمي في قرية النبي صالح.
في العام ٢٠١٩/٢٠١٨ فيديو عن المسعفين على المدخل الشمالي لمدينة البيرة.
في العام ٢٠٢١/٢٠٢٠ فيديو عن محاولة خطف جريح من سيارة إسعاف على حاجز في الضفة الغربية.