هيئة التحرير:
قناص متمترس، تعلو رأسه خوذة عسكرية، رصاصته في بيت النار جاهزة للانطلاق، ويده على الزناد، وعلى منظار البندقية يشاهد 4 صحفيين يرتدون الستر والخوذ الواقية، يمارسون عملهم في الميدان، وفي لحظة قرر استهدافهم، فاطلق النار على رأس الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة، ليعلن استشهادها لاحقا.
هذا المشهد يلخص إعدام جيش الاحتلال الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة، صباح اليوم الأربعاء في مخيم جنين، وأصيب خلالها الزميل علي السمودي بالرصاص الحي في الظهر.
وتواجدت الصحفية شيرين أبو عاقلة وطاقم العمل المرافق لها مع مجموعة من الزملاء وهم على السمودي، ومجاهد السعدي، وشذى حنايشة على أطراف مخيم جنين لتغطية اقتحامه من قبل قوات الاحتلال وحصاره لمنزل أحد الشبان هناك.
وروت الصحفية حنايشة التي نجت من عملية الإعدام وكانت برفقة الصحفية أبو عاقلة لحظة استهدافها لـ “بال غراف”، قائلة: ” ما جرى اليوم هو استهداف لنا بشكل مباشر كصحفيين، حيث تعمد جيش الاحتلال إطلاق النار علينا بشكل مباشر، لأن المنطقة التي كنا بها كانت مكشوفة للجميع، وكنا نرتدي الزيّ الصحفي من ستر وخوذ واقية، ووقفنا في منطقة مكشوفة للجميع حتى يرانا الجميع ومن ثم تحركنا للأمام”.
وأضافت حنايشة ” أن قوات الاحتلال أطلقت النار علينا بعد أن وصلنا إلى منطقة كان يصعب العودة منها، ونحن كنا مكشوفين من بداية الشارع لجميع الجنود، وكنا متواجدين في محيط دوار العودة على أطراف المخيم، وكنا متوجهين إلى المنطقة التي يتواجد بها جيش الاحتلال في المخيم”.
وأكدت حنايشة ” أن الرصاص الذي أطلق علينا كان من قبل قناصة، وبعد إصابة شيرين لم يتوقف إطلاق الرصاص علينا، وكان يصطدم بالأرض، استمر إطلاق النار المباشر علينا، حتى أنني لم أتمكن من رفع رأسي على الأرض لرؤيتها، حيث أصيبت شيرين برصاصة واحدة في رأسها”، لافتة ” نحن كصحفيين تواجدنا في المنطقة أمام الجيبات وشاهدونا لمدة أكثر من 10 دقائق ومن ثم تحركنا إلى الأمام، ونفت أن يكون هناك أي تبادل أو اشتباك في المنطقة لحظة استهداف الطواقم الصحفية”.
ولفتت حنايشة أن “جنود الاحتلال واصلوا إطلاق النار بعد إصابة شيرين ومنعت من وصول الشبان لنا لإنقاذنا، حتى تمكن أحد الشبان من القفز عن جدار وتمكن من سحبها، وهذا ما يؤكد استهدافنا بشكل جماعي، وأن شيرين كانت ترتدي خوذة حماية على رأسها ، لكنها أصيبت في مكان حساس لا تغطيها الخوذة، وهو ما يؤكد نية القتل والإعدام”.
الصحفي علي السمودي الذي أصيب بالرصاص الحي في الظهر أكد في شهادة له من داخل المستشفى حيث يتلقى العلاج ” أن الطواقم الصحفية كانت متجهة لتغطية اقتحام جيش الاحتلال لمخيم جنين، وفجأة واحدة أطلقوا النار علينا، الرصاصة الأولى أصابتني والرصاصة الثانية أصابت شيرين أبو عاقلة، ولم يكن بجانبنا أي مقاوم”.
وتظهر تفاصيل وروايات شهود العيان أن هناك قرارا عن سبق الاصرار بقتل الطواقم الصحفية، وذلك يظهر باستهداف المناطق العلوية للصحفيين، وهذا ما أكده جيش الاحتلال الذي أعلن في بداية الأمر عن تمكنه من اغتيال 2 من المقاومين في مخيم جنين، قبل أن يتراجع عن ذلك.
تعد عملية إعدام الصحفية شيرين أبو عاقلة جزءا من سياسة القتل التي ينتهجها جيش الاحتلال بقرار من المستوى السياسي الإسرائيلي، والتي لا تفرق بين طفلا وامرأة ورجلا وطواقم صحفية، ودائما ما تستند عمليات القتل إلى تأييد ودعم من السلطات الإسرائيلية، حيث أشاد عضو الكنيست ايتمار بن غفير بجنود الاحتلال وأعلن دعمه لهم، واتهم الصحفيين بالوقوف بشكل مقصود في وسط المعركة وعرقلة عمل جنود الاحتلال في تبرير لعملية الإعدام.
وأكد شاهد عيان من مخيم جنين، والذي تمكن من سحب شيرين أبو عاقلة وزميلتها شذى حنايشة ونقلهما إلى المستشفى “أن جنود الاحتلال أطلقوا النار عليه أثناء محاولته سحب شيرين وزميلتها، وكانوا قريبين من المكان المستهدف، في محاولة لمنع إسعافهما ونقلهما إلى المستشفى”.
وأدانت شبكة الجزيرة في استهداف مراسلتها شيرين أبو عاقلة، مؤكدة اغتيال مراسلتها شيرين أبو عاقلة بدم بارد في جريمة قتل مفجعة تخرق القوانين والأعراف الدولية.
تعد شيرين أبو عاقلة (51 عاما) من الرعيل الأول من المراسلين الميدانيين لقناة الجزيرة، وقد التحقت بالقناة بعد عام واحد من انطلاقتها، وقد دخلت إلى كل بيت فلسطيني خلال 25 عاما من عملها الصحفي وتغطيتها الميدانية لأكثر الأحداث سخونة في الأراضي الفلسطينية، كان أبرزها انتفاضة الأقصى عام 2000، حيث تحولت أبو عاقلة إلى أيقونة فلسطينية ونموذجا أغرى الكثير من الفلسطينيين لدراسة الإعلام والاقتداء بها.
ولدت أبوعاقلة عام 1971 في مدينة القدس المحتلة، وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك الأردنية، ودائما ما كانت تؤكد أبو عاقلة أنها مستهدفة خلال تغطيتها الصحفية سواء من قبل جنود الاحتلال أو المستوطنين.
ودع مخيم جنين شيرين أبو عاقلة بالعلم الفلسطيني، وبكتها أمهات الأسرى والشهداء وشوارع المدينة والمخيم، وهم الذين عايشوها واستقبلوها في الكثير من المرات خلال تغطيتها لاعتداءات الاحتلال عليهم، بينما بكاها زملاؤها.
“لن أنسى أبدا حجم الدمار، ولا الشعور أن الموت كان أحيانا على مسافة قريبة
لم نكن نرى بيوتنا، كنا نحمل الكاميرات ونتنقل عبر الحواجز العسكرية، والطرق الوعرة
كنا نبيت في المستشفيات أو عند أناس لم نعرفهم
ورغم الخطر كنا نصر على مواصلة العمل
كان ذلك خلال عام 2002 حين تعرضت الضفة لاجتياح لم تعهده من احتلال عام 1967
في اللحظات الصعبة تغلبت على الخوف، وقد اختر ت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان
ليس سهلا ربما ان أغير الواقع، لكن على الاقل كنت قادرة على ايصال ذلك الصوت إلى العالم
أنا شيرين أبو عاقلة”..
ربما لم تدرك شيرين أبو عاقلة ذات يوم وهي تقول تلك الكلمات أنها كانت ترثي نفسها، ولكنها كانت كذلك فعلا..
ارتبط اسمها بفلسطين، وصارت رمزا للتغطية الصحفية للأحداث لسنوات طوال، غطت عددا كبيراً من الأخبار، فصارت بالنهاية حدث، تنقلت بين عشرات المدن في فلسطين وخارجها، فخرجت صباحاً من القدس إلى جنين، عنوانين لقضية حاول العالم نسيانها فصارت هي العنوان.
وداعا شيرين أبو عاقلة .. التغطية مستمرة ولن تتوقف.