هيئة التحرير
سطور حياتها تظهر من حكايتها، حكاية طفلة أرادت أن تحصل على مفاتيح الأمل والسعادة، تبدأ حكايتها مع ميلاد زهرة تعرفت على اشواكها قبل ان تتعرف على رحيقها، طفلة خجولة لا تمتلك من الحياة الا ما علمها اياه والديها، يطاردها حلم بأن تكسر حاجزالصمت الخجل وتضرب بخجلها غيرالمبررعرض الحائط وتنطلق كسهم خرج من قوسه لتصل إلى حلمها، حلم وردي نما مبكراً مع الطفلة وترعرع بين جنباتها.
كانت في العاشرة من عمرها وشغفها الذي بداخلها لفتاة عشرينية، تمسك أي شيء يشبه الميكرفون وتتنقل بين اخوتها لتعمل مقابلات رياضية متلعثمة… نعم لقد أرادت أن تصبح صحفية مشهورة يسطع نجمها لتثبت وجودها بدرب التبانة.
كبرت الطفلة وبدأت السعيَ وراء حلمها، عملت بجد وأنهت دراستها الثانوية والحُلم يراودها بل يزداد في مطاردتها حتى أصبح رفيقها في صحوها ومنامها، لتشعر بأنها تُحلق فوق الغيوم وهي تقترب من الجامعة، وبدأت دراستها في “الإعلام والتلفزة، لترفع شعار” أكون أو لا أكون”.
الشعور بالمسؤولية كان يرافقها، فقد بدأت بالعمل في سن الخامسة عشرة لتجمع قسط الجامعة المستقبلي، إذ لا يمكنها الاعتماد على أسرتها في الإنفاق على دراستها بسبب الأولويات الأسرية كحال أي فلسطيني.
تراها في الصباح طالبة جامعية وفي المساء نادلة بأحد المطاعم وأحياناً بائعة في محل للملابس، وتارة مروجة لشركة دعاية وإعلان، ومرات مقدمة برامج مسابقات في المحطات التلفزيونية المحلية.
مع الأيام أدركت أن حلمها وجد لتسعى إليه، لا أن تنتظر قدومه، وأنه لا بد من وجود عقبات لتحقيق ذلك الحلم الذي لن يأتيها على طبق من ذهب، لذا حاولت في البداية أن تعرف شيئاً عن كل شيء، ثم بدأت بالبحث عن المعاني الحقيقية للأشياء التي تراها وتدور حولها، فأيقنت حينها أن الدراسة الجامعية لا تمنحها إلا الجانب النظري من الحقائق.
فجأة لفت نظرها الإعلام الرياضي و الغريب في أنها ورغم عشقها للإعلام الرياضي بالذات، لم تكن تعرف ما يجري في ملاعب الكرة غير أن اثنين وعشرين لاعباً يركضون خلف الكرة المستديرة، هذه هي خبرتها عن الرياضة، لذا فقد وجدت أمامها حقلاً جديداً.
كانت تراقب بشغف وعمق تلك المباريات المتلفزة ليس للتعلم فقط، بل لتدرك ما يخفيه ذلك المستطيل الأخضر، فالتمست أن روح الفريق، والنظام والوقت والاهتمام والانتماء والجمهور وشغف العالم بهذه اللعبة، أسبابٌ لجعل تعلقها بهذه الرياضة دافعاً أكبر للوصول إلى حلمها.
بذلك الوقت قررت البحث، فبدأت تتسابق في صناعة الحوارات الكروية، كانت تدون أسماء اللاعبين وتحفظهم، لتتحاور مع زملاء الجامعة الذين كانوا يستغربون بأن هناك فتاة تجادلهم في كرة القدم، فالمجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات العربية يعتبر كرة القدم حكراً على الرجال حتى في الفهم والحوار. ومع مرورالوقت والاستفزازات الكثيرة والتلعثم والحوارات والأخطاء المتكررة، كان هناك قراراً بأن تخوض هذا العالم وبقوة وتقتحم عالم التصوير الرياضي؛ لتكون أول فلسطينية تحارب في هذا المجال.
استمرت في طريق تحقيق هدفها لتجد أنها في عام 2010 الفتاة الوحيدة المتواجدة في أول استاد دولي في فلسطين “ملعب فيصل الحسيني”، بل وأيضاً تقوم بتصوير وتوثيق ما يجري في مباراة كرة القدم لتكون أول تجربة إعلامية حقيقية لها، وحينها بدأت حرب ” أكون أو لا أكون”، لم يخلُ الأمر من تعليق ومعاكسة هنا وهناك، سمعت النقد والانتقاد الذي وصل حدّ التنمر، والمضايقات اللفظية التي وضعتها في موقف سبب لها إحراجاً كبيراً وقوة لحبس دموعها والظهور بصورة عدم الاكتراث، وذلك لكي تثبت للجميع بأنها قوية فهي بداخلها كانت قد صممت على تحقيق حلمها والتقدم بخطى ثابتة دون الالتفاف إلى ما حولها.
غابت عن الوعي وهي تتابع سحر أرضية الملعب الخضراء التي لم تشاهدها من قبل إلا على شاشات التلفاز، وسارعت لالتقاط أول صورة رياضية في حياتها لملعب فيصل الحسيني، الذي سيصبح بعد قليل مسرحاً لمطاردات اللاعبين بغية تسجيل الأهداف.
“صورينا يا مزة.. شوف هالبنت اللي أهلها مش عارفين يضبوها”، تلك الكلمات التي سمعتها في ذلك اليوم لم تهزمها، بل شدت من عزيمتها لتعود من جديد وتصبح المصوّرة الأولى والوحيدة في تلك الفترة، وتفتح بعدها الأبواب لزميلاتها اللواتي عززن تواجد العنصر النسوي بالملاعب، ويوثقن الأحداث بعدساتهن بطريقة مميزة ويصبحن رقماً صعب في عالم الإعلام الرياضي.
سنوات بعد التصوير والانخراط في عالم المستديرة ومازال للحلم بقية، بدأت بالبحث عن تحدٍ جديد كالدخول إلى أماكن ترتعب منه الفتيات، مثل تغطية الألعاب القتالية، واقتحام عالم الرياضة العسكرية والتي أيضاً كانت مقتصرة على الرجال في ذلك الوقت فعملت على كسر هذا الحاجز بنشر أول تقرير لها عن لاعب رماية ومن ثم اعداد برنامج خاص بالرياضة العسكرية يبث عبر قناة فلسطين الشباب والرياضة ويحصل على أعلى نسبة مشاهدة.
لم يتوقف الأمل والطموح، بل تزايد خلال اثني عشر عاماً من العمل المستمر، تذوقت فيها طعم الفرح والانكساروالمحاربة والصمود، لكنها لم تتوقف، فطوّرت نفسها والتحقت ببرنامج الإدارة الرياضية، ليحصل مشروعها محلياً على المركز الأول عام 2014، ومن ثم يحتضنها الاتحاد الآسيوي للإعلام الرياضي عام 2016، وفي عام 2018 أنهت دراسة الماجستير برسالة حملت عنوان ” دور وسائل الإعلام الرياضية في الحد من شغب الملاعب”، لتكون أول صحفية عربية تحصل على شهادة الماجستير في مجال الرياضة، ثم أصبحت عضواً في النادي الدولي للإعلام الرياضي الداعم للشباب والشابات وعنصراً فعالاً في ملتقياته. عام 2019 أصبحت عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد الفلسطيني للإعلام الرياضي، وفي عام 2022 تم تكريمها من الإتحاد الدولي للصحافة الرياضية ليكون التكريم الأول في حياتها والذي فتح أمامها تحديات جديدة اً متنوعة تسعى لتحقيقها، كأن تحصل على الدكتوراة في الإعلام الرياضي.
تلك الطفلة الخجولة أصبحت الان تجوب مختلف البلاد رفقة عدستها وأوراقها لتعمل على تغطية الكثير من البطولات الأسيوية والأحداث الدولية وتقابل كبار الشخصيات الرياضية وتنخرط مع أهم الصحفيين الرياضيين، وتعرف بأنها خير ممثل عن وطنها.
هذه قصة حقيقية ليست من نسج الخيال، وموثقة بدقة في شتى مراحلها، فهذه الطفلة الخجولة غدت اليوم شخصية إعلامية يعترف الجميع بقدراتها، وهي زوجة لاعب كرة قدم، وأم لثلاثة أطفال ورغم جميع الظروف، لا تزال تبحث عن التحدي، هذه أنا، نعم أنا أحرار جبريني معدة برامج في قناة فلسطين الشباب والرياضة الوطنية.