سبعة وأربعون عاماً ولا زالت ذكريات شعلة يوم الأرض تعود كل عام في الثلاثين من آذار، حكاية يوم الأرض والشهادة محطة لن تنسى في تاريخ الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨.
بحثوا عن كرامة شعبهم وحاولوا بشتى الطرق التمسك بأراضيهم والتشبث بها، وعدم الرضوخ لقرارات المحتل، بالعودة بعجلة الذاكرة يخبرنا الدكتور المحاضر غزال أبو ريا من مدينة سخنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن اللحظات التي سبقت يوم الأرض وعن شهداء هذا اليوم اللذين ارتقوا دفاعاً عنها.
بالعودة إلى ما قبل الثلاثين من آذار لعام ١٩٧٦ يروي لنا المحاضر غزال أبو ريا أحد شهود العيان على استشهاد رجا أبو ريا وابن عمومته، ويقول في حديث لموقع “بالغراف” :” متصرف اللواء الشمال ” اسرائيل كينج” العنصري أرسل قبل ذلك التاريخ رسائل للمجالس المحلية في قرى البطوف ورئيس بلدية سخنين آنذاك، نتحدث هنا عن منطقة المل التاريخية التي كانت قبل ١٩٤٨ في الانتداب البريطاني منطقة تدريب عسكري للجيش الإنجليزي وبعد النكبة وحتى عام ١٩٨٦ أكملت المؤسسة الإسرائيلية في مهمة الجيش الإنجليزي وأبقت على المنطقة لتكون عسكرية، فمنذ النكبة حتى عام ١٩٨٦ عشرات الشهداء ارتقوا وهم يفلحون أراضيهم ويزرعونها في منطقة المل حينما انفجرت الألغام في المنطقة آنذاك، إضافة لوقوع عشرات الجرحى وأحد الأخوات فقدت عينها حينها، كما وقع عشرات من الشهداء قبل النكبة اثر اطلاق الجيش البريطاني النار على الفلسطينيين”.
ويكمل أبو ريا:” كنت أبلغ من العمر عشر سنوات حينما كنت أذهب برفقة أمي وشقيقاتي لزراعة الأرض وفلاحتها قبل الانتداب، وكنا نذهب إلى مركز شرطة غربي سخنين من أجل الحصول على تصديق لمدة ساعتين أو ثلاث من أجل فلاحة الأرض الخاصة بنا، و١١/٥ عام ١٩٧٦ كان أبو ريا برفقة شقيقاته ووالدته يزرعون البطيخ في خلة طبريا بمنطقة المل، وبدأ حينها اطلاق النار والرصاص وأحاطوني شقيقاتي ووالدتي لحمايتي من الرصاص، فكل أهالي سخنين كانوا بحاجة للحصول على تصديق من أجل مباشرة العمل في أراضيهم”.
كما هو الحال اليوم كان هدف الاحتلال مصادرة الأراضي الفلسطينية والسيطرة عليها، فكانت الرسالة التي أرسلها “اسرائيل كينج” تنص على جهوزيتهم لمصادرة أراضي منطقة المل التابعة لسخنين التي كانت مساحتها ٨٠٠٠ دونم تمت مصادرتها.
في الخامس عشر من كانون الثاني لعام ١٩٧٦ يوم الاثنين، كان هناك اجتماع في ثانوية سخنين المجلس المحلي آنذاك يجمع بين رؤساء المجالس المحلية العربية، والكل أجمع على ضرورة الوقفة الواحدة للمحافظة على أرض المل وهي ما تبقت لهم، ويبين أبو ريا أنهم كانوا طلاب في الجامعات في ذلك الحين ودعموا كطلاب عرب في جامعة حيفا موقف المجالس المحلية، وخرجت مظاهرة في سخنين وكانت كأولى المظاهرات بعد النكبة التي تجوب شوارع البلد، وبدأ بعدها “اسرائيل كينج” بتخويف رؤساء المجلس وتهديدهم بعدم الإعلان عن الثلاثين من آذار كيوم الأرض، فبعد ذلك وتحديداً في الخامس والعشرين من آذار كان هناك اجتماع لبلدية شفا عمرو للرؤساء بهدف تخويفهم وترهيبهم للتراجع عن إعلان الثلاثين من آذار يوم الأرض، وأحاطوا حينها البلدية بقوات معززة ومكثفة من الاحتلال، ولكن لم يخضع أحد لتهديدات الاحتلال، فأحد عشر رئيسا من رؤساء المجالس المحلية وقفوا وقفة لا تنسى للدفاع عن أراضيهم في شفا عمرو ومن بينهم رئيس بلدية سخنين وأبو الأمين الذي أعلن حينها أن الشعب قرر الإضراب.
في التاسع والعشرين من آذار لعام ١٩٧٦ عشية يوم الأرض، عاد الأهالي من أعمالهم وعاد الطلاب من جامعاتهم من السكنات، عن تلك اللحظات يقول أبو ريا:” حينما قاربت ساعات المساء دخلت قوات لمنطقة عرابة البطوف من منطقة المل واستشهد حينها خير ياسين ٢٣ عاماً وكان أول شهداء يوم الأرض، وغربت بعد ذلك الدبابات إلى سخنين الساعة السابعة والنصف مساء وكان هناك مواجهات في مناطق متفرقة، وتصدت الشبان للدبابات بالحجارة من أجيال وعائلات مختلفة من دار أبو يونس، وأبو فرج فكانت هناك قصة شهيرة لهذا الشاب حينما أراد أن يحرق دبابة بالقداحة التي تشعل السجائر ولم تعمل القداحة فأصبحت نكتة في ذلك الحين أنه حتى القداحة تضامنت معنا ولم تشعل الدبابة، واستمرت المواجهات حتى الساعة الواحدة من منتصف الليل، وكان هناك عشرات من الجرحى قسم منهم نقل إلى المستشفيات وقسم لم ينقل خوفاً من الاحتلال”.
“بتنا ليلاً بعد يوم طويل، ونحن نعلم أننا سنستيقظ على صبيحة يوم الأرض، وكان بوقتها “ايتان” وقال دوسوا سخنين وأخرجوا إلى الدبابات، في الخامسة والنصف صباحاً جابت شوارع بلدة سخنين سيارة شرطة تابعة للاحتلال تنادي بحظر التجول وعدم الخروج من المنازل، في الحي الجنوبي الذي يضم كل أطياف سخنين من عائلة أبو ريا ومعياري، كان التعداد السكاني يقارب العشر الاف، وكانت كل العائلات متجمعة الأقارب والجيران، على بعد مئتين متر على التلة كان جندي قناص قنص وأطلق رصاصاته على الشهيد رجا أبو ريا في جبينه وكان بجانبهم>
حاولنا نقله في سيارة الإسعاف ولكن منعت من المرور، وجاء سعيد أبو ريا ابن عم الشهيد ومحمد مطلق أبو ريا، حملوا الشهيد في سيارتهم وفي نفس الوقت كنا نعلم أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ولكن كان لدينا أمل، الجيش منع أن يخرج من سخنين من الجهة الغربية وأوقفوه ما يقارب الساعة، وبعد ذلك تمكنوا من الخروج إلى مستشفى نهاريا وحينما وصلوا أمام المستشفى في سيارة خصوصية لم تسعفه المستشفى وأبقوه ملقى على السرير، وحينما علموا أهالي سخنين باستشهاد رجا أبو ريا خرج أهالي الحي الغربي في مواجهات واستشهد حينها الشهيد خضر خلايلة، وبحسب شقيقه فإنه استشهد حينما دافع عن معلمة من عائلة الخلايلة كانت تذهب لعملها وأهنوها وأوقفوها جنود الاحتلال، فتدخل الشهيد خضر وأطلقوا النار عليه واستشهد، وخرج الحي الشمالي في سخنين للتظاهر واستشهدت حينها خديجة شواهنة، وفي مركز البلد الذي يسمى زقاق البدارنة كان هناك عشرات الجنود وكان مواجهات مع الشبان، ووقع عشرات من الجرحى ومن بينهم شيخ الجرحى صبحي بدارنة ٨٧ عاماً الذي لا زال على قيد الحياة حتى اليوم والذي بترت قدمه قبل خمسة عشر عاماً بسبب إصابته في ذلك اليوم” هذا ما رواه أبو ريا عن يوم الأرض في سخنين.
الساعة العاشرة فرغ جنود الاحتلال كل رصاصاتهم، ودخلوا إلى منزل أحد الأشخاص في زقاق البدارنة وأصبحت هناك مفاوضات إذا خرج وانسحب جنود الاحتلال من سخنين سيحررون الجنود المتواجدون في المنزل، فتم تحرير أربعة جنود بعدما أكد وزير الحربية آنذاك على انسحاب جيش الاحتلال من سخنين، وكل البلد خرج كل الأهالي إلى الشارع ومركز البلدة، وكان اجتماع للمجلس المحلي لإيجاد حل، فبعض الجرحى نقلوا إلى المستشفيات في الناصرة وقاموا أهالي الناصرة بالتبرع بالدم حينها، وفي الطريق إلى الناصرة خرجت الفلسطينية شيخة أبو صالح برفقة سيارة للجرحى ورمت حطة مبللة بالدماء في كفر كنا، فعلموا من هذه الإشارة أن هناك شهداء في سخنين، فخرجوا أهالي كفر كنا من منازلهم للتظاهر في الشارع واستشهد الشهيد محسن طه، هذا جزء مما حدث في يوم الأرض في سخنين وعرابة وكفر كنا، فهؤلاء شهداء الأرض شهداء كل فلسطين.
في السادس من نيسان تم اعتقال أبو ريا برفقة عدد من الطلاب وقاموا بفصله من الجامعة على مدار اسبوعين لمشاركتهم في التظاهرات.